الإبل إرث حضاري ورافد اقتصادي..
حمدان بن حمد صعيفوت
منذ عشرات القرون تعتمد المجتمعات التنقل على ظهور الإبل لما تمتلكه من قدرةٍ على التحمل بدون ماء، وقوة بدنية ترفع بها الأثقال على ظهرها لمسافات طويلةٍ، و للجمل مكانة عالية عند العرب، حيث نشبت الحروب من أجلها مثل: حرب البسوس التي دامت أربعين عاماً؛ كان سببها الجمل الذي قُتل على يدِ الملك، وتختلف أنواع الإبل ذات السنام الواحد فهي توجد في شبة الجزيرة العربية، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أما النوع الثاني هو: الجمل ذو السنامين ويوجد في جنوب أفريقيا وآسيا الوسطى، وتختلف استعمالاتها في وقتنا الحاضر من مجتمع إلى مجتمع.
ذكر الله تعالى في قرآنه الكريم الإبل في موضعين في قوله تعالى: {وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ}… (الأنعام: 144)، وقوله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}… (الغاشية: 17). وهو دلالة على إبداع الخالق في خلق الإبل ورفعة لمنزلتها بذكرها في كتابه العزيز، وأطلق على الجمال إسماً يليق بها (سفينة الصحراء)؛ وذلك لتكيفها مع الصحراء، فكما نعلم أنّ الصحراء قليلة الماء والعشب إلا في وقت الأمطار، حيث أنّ للجمل قدرة على العيش بدون ماء لمدة أربعين يوماً، ومتوسط عيش الإبل من 30 إلى 40 سنة، وطولها (1.85م) عند الأكتاف، و(2.15م) عند السنام، وتصل سرعة الإبل إلى (65) كيلو متراً بالساعة، ويطلق على ذكر الجمال “الجمل” وعلى الأنثى “ناقة” والجمع نوق.
أولى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس -رحمه الله- اهتماماً كبيراً بموروث الآباء والأجداد، ودعمه مادياً ومعنوياً للحفاظ عليه، فأمر بإقامة سباقات للهجن، وتتبع هذه السباقات احتفالات وحضور كبار المسؤولين بالدولة، و الجهة المختصّة التي تدير هذه السباقات هي الاتّحاد العماني للفروسية، وحال هذه السباقات كحال الرياضات الأخرى التي تقام في السلطنة، وعندما اهتم صاحب الجلالة بهذا المجال أصبح رافداً اقتصادياً للفرد، حيث يقوم الفرد بتربية الإبل ثم يقدمها للفحل ذو الشهرة الكبيرة، وعند ولادتها أحيانًا تشترى بالآلاف؛ لأنها تنسب إلى فحل مشهور قد أنجب إبل سريعة تشارك في مضامير الهجن، ومازال الحال والاهتمام بهذا الموروث في عهد صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق.
تتعدد استعمالات الإبل، فتستعمل بعضها في سباقات الهجن كما ذكرنا، ومنها في المحالبة؛ ويقصد بالمحالبة أن يتم حلب الناقة على مدار يومين أو ثلاثة أيام، وكلما تم حلبه يتم قياسه “بالكيلو جرام” أو “لتر”، وبعد ذلك تفرز اللجنة الناقة التي جمعت أكبر قدراً من الكيلوجرامات، ولهذا المجال جوائز قيّمة قد تصل إلى سيارة، والمجال الآخر المزاينة، حيث تهتم المزاينة بشكل الناقة ومن تفوز بالحسنِ تحصل على المركز الأول، وكذلك لها جوائز قيمة، ولكن لا تشارك كل أعمار الإبل مع بعضها سواء كان في سباق الهجن أو المزاينة أو المحالبة، حيث يتم تصنيف الأعمار وكل عمر يفصل في مشاركته، وأيضًا الذكر لوحده والأنثى لوحدها.
تميزت الإبل عن غيرها في اهتمام الحكومات بها واهتمام ملّاكها بها، ونتيجة هذا الإهتمام صدرت مجلة (عالم الهجن) تختص في أخبار الهجن، ورجال الأعمال الداعمين للإبل، لذلك يجب علينا جميعاً الحفاظ على هذا الموروث لنورّثه للأجيال الآتية من بعدنا، فهي أيضًا تجارة وربح عالٍ ومردود اقتصادي للفرد.