سياحة البحث عن المفقود
طالب المقبالي
عشرات الآلاف من المُواطنين قد ولوا وجوههم شطر دولة الإمارات العربية المُتحدة في إجازة العيد الوطني الثامن والأربعون المجيد وذكرى المولد النبوي الشريف .
وقد نشرت بعض صحف دولة الإمارات العربية المُتحدة إحصائية عن عدد العُمانيين الذين زاروا مدينة دبي وحدها منذ مطلع هذا العام تجاوز النصف مليون مسافر.
ففي شهر مايو من عام 2016 كتبت مقالاً بعنوان “عندما يشد الشعب الرحال إلى الخارج” تضمن ذلك المقال بعض الآراء على ضوء صورة انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي توضح طوابير السيارات المتجهة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لقضاء إجازة الإسراء والمعراج والإجازة الأسبوعية، والمشهد يتكرر مع كل إجازة.
فما الذي دفع بهذه الآلاف المؤلفة من العمانيين للذهاب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة؟
سؤال موجه إلى كل من وزارة السياحة، ووزارة التراث والثقافة، ووزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه، ووزارة التجارة والصناعة، وبلدية مسقط.
وقبل أن تجيب هذه الوزارات وأي جهة معنية فإنَّ الواقع يقول إنَّ المواطن يبحث عن المفقود في بلاده، فمجبر أخاك لا بطل.
فقد أصبح المواطن يدرك أنَّ السياحة الداخلية كانت ولا زالت مطلبا وطنيا، وبالفعل فقد شهدت جميع المواقع السياحية في مختلف أنحاء السلطنة توافد عشرات الآلاف من المواطنين والمُقيمين عقب الأمطار التي شهدتها مختلف ولايات السلطنة في شهر أكتوبر الماضي.
والمشهد تكرر مع الإجازة الأخيرة للمولد النبوي الشريف والعيد الوطني الثامن والأربعون المجيد
فعلى سبيل المثال ومن واقع مُعايشتي للوضع، فقد شهدت ولاية الرستاق أعداداً مهولة من الزوار والسياح لم تشهدها من قبل وذلك بحثاً عن الأجواء الجميلة في الأودية الظليلة عقب هطول الأمطار الذي استمر أسبوعاً كاملاً، وامتلأت الأودية والأفلاج بالمياه، ومن هذه المواقع شلالات الحوقين وعين الكسفة والخاضة ووادي بني هني ووادي بني عوف وبلد سيت، وغيرها من المواقع، فجميع هذه المواقع شهدت ازدحاماً لم تشهده من قبل.
إلا أنَّ المؤسف عدم توفر مرافق عامة أساسية في بعض هذه المواقع، كدورات المياه والمقاهي السياحية، والاستراحات والبقالات.
في المُقابل هناك زوار كانوا يمنون النفس أن يجدوا مكاناً للمبيت في هذه الولاية العريقة التي نسيتها أو تناستها وزارة السياحة ولم تضعها ضمن خارطتها التطويرية للمواقع السياحية.
وقد كتبت أيضاً مقالاً بعنوان (الرستاق خارج الخارطة السياحية) نشرته جريدة الرؤية في شهر أغسطس من عام 2016 تطرقت فيه إلى المشاريع السياحية التي تعلن عنها وزارة السياحة في مختلف ربوع الوطن الممتد من محافظة ظفار جنوباً إلى محافظة مسندم شمالاً، ولم نعثر في أجندات هذه الوزارة على أي مشروع سياحي لولاية الرستاق عدا المشروع المتعثر كونه وقع في ممتلكات خاصة، ولم تستطع وزارة السياحة إيجاد حل له سوى إيقاف خطتها السياحية في هذه الولاية.
لقد كنت سابقاً من المنتقدين للذين يشدون الرحال إلى خارج البلاد لقضاء إجازاتهم، لكنني أدركت وإن متأخراً أنهم يبحثون هناك عن المفقود هنا.
حدائق للحيوانات، حدائق مائية، ومراكز ترفيه في متناول الجميع وليس مبالغاً في الأسعار، وسلع بأسعار تنافسية، وفنادق رخيصة جداً مُقارنة بأسعار الفنادق هنا في عُمان بما يساوي الضعف والضعفين أحياناً.
فلو توقف الشعب عن السفر، ما هو البديل؟ أيكفي ظل سمرة في الرمال؟ أو ظل نخلة في أحد الأودية؟ أو نصب خيمة في أحد الشواطئ؟ وبين كل ساعة وأخرى يضطر السائح لأن يترك المكان ويذهب للبحث عن دورات المياه لقضاء حاجته.
قبل سنوات رفعت وزارة السياحة، شعاراً يقول “السياحة تثري” فما لبث أن تمَّ نسيان الشعار لعدم تطبيقه عملياً.
بلادنا ثرية بالمواقع السياحية والتراثية التي يجب أن تستغل خير استغلال، وهذا يتطلب جهودا مخلصة ومحبة لهذا الوطن، فالمواطن البسيط الذي لا يستطيع أن يذهب للعشاء في أحد مُنتجعات سويسرا، ويفطر في جزر الكناري ليس أمامه سوى المواقع السياحية في البلاد والتي تفتقر إلى أبسط الخدمات، أو إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو الخيار السهل للسفر خارج البلاد.