هل نحن فعلاً متناقضون بالفطرة؟
خلفان بن ناصر الرواحي
ونحن نعيش حياتنا المتناقضة على مختلف الأصعدة، جال في خاطري هذا التساؤل العجيب: “هل نحن فعلاً متناقضون بالفطرة؟”.
وبعكس الصورة النمطيّة التي نراها لأنفسنا من منظورنا الخاص، أو من منظور تلك الصورة النمطية السيّئة للآخرين؛ وخاصة أصحاب السلوك السيء والمشين الذي نتعايش معه في واقع حياتنا، حيث إننا نرى في بعض الأحيان رجلاً مشرداً، أو استغلاليّاً أو ظالماً غليظاً كما يُصوّرُه لنا واقعه الذي نشهده، وقد يزيدنا دهشة في كثير من الأحيان نقيض ما نراهُ من تصرف في بعض المواقف من حيث التعامل مع الآخرين، حتى في سلوك العبادات، فعلى سبيل المثال في شارب الخمر، حيث لا نكادُ نرى أمثاله دون أن نرى بيده القرآن الكريم يقرأُ به بتأمُّلٍ وتمعُّن، وفي تعامله لطيفاً وودوداً جدّاً ومحترماً إلى أبعد الحدود مع الجميع، ولا يشرب الخمرَ أبداً في شهر رمضان المبارك، وتجده يتحلى بصفات تكاد تفوق كثير من الناس الذين نحسبهم من أهل الصلاح، في العبادات، واللطافة والكرم والمرؤة مع أهله ومع الآخرين. وما يخرج الشهر الفضيل إلا ونراه للأسف انقلب على عقبيه والعياذ بالله إلا من رحم الله.
وقِس على هذه التناقضات العديد من الأمثلة، من حيث التعامل في التجارة، والتعامل مع الأسرة، وفي العمل، وفي غيرها من تعاملات الحياة، حيث تجد بعض الأحيان، أن شخصاً ما يحثّك دائماً على التمسّك بالمبادىء الحسنة مهما اعترضتك المواقف ومهما صادفتك الصعوبات، وأنْ تتمسّك بدينك في هذا المحيط المليء بالمغريات وبالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والأخلاقية، ويطلبُ منا أن نبقى مستمرين في الكفاح والتحلي بالأخلاق الحميدة، والبعد عن الخيانة وموت الضمير مع الأسرة والمجتمع والوطن.
كما أن هناك صنفاً آخر يقدم لك نصائح مفيدةً جدَّاً، في حين أنّ أبناءه كانوا فاشلين على كلّ الأصعدة تقريباً، فلا دين يحفظهم ولا وازِعَ أو خوفٍ على حياتهم يعصمهم من الله؛ كما أن سلوكه الشخصي يناقض واقعه المُعاش، حيث تجده يتصرف عكس تلك النصائح الرنانة، وكأن له عالَمه الخاص به، وواقعه يقول “حلال لي وحرام على غيري”.
هذا التناقض العجيب الذي نراه ونعايشه جميعاً يجعلني في حيرةٍ من أمري وتحدثني نفسي بعدة تساؤلات ومنها؛ هل هذا تناقضٌ طبيعيّ؟ هل كلُّ هذا التناقض هو من طبيعتنا كبشر من حيث حبّ التفرد في الخروج عن المألوف؟ أم أن ذلك تصرف فردي ناتج عن موقف معين أو نتيجة رفقاء السوء؟.
إن من المُسلمات أن الحياة بطبيعتها مدرسة للكثير منّا، وعلينا الاعتراف بدايةً من خلال تجاربنا واختلاطنا مع الناس على مختلف أنماط سلوكهم، وحتى من خلال تقييم أنفسنا؛ نجد أنّنا في كثيرٍ من أفعالنا متناقضون دون أنْ نشعر؛ وهذا يدلنا من وجهة نظري القاصرة أنّنا مفطورون على التناقض كفطرتنا على الأنانية والحب والكره والحقد والتعصّب واللُّطف والخروج عن المألوف في بعض الأحيان.
وربما يعتبر هذا سلوكٌ إنسانيٌّ موجودٌ فينا ويرجع للنفس الأمارة بالسوء، التي يمكن أن يدخلها التناقض أيضاً. فلننظر في نفوسنا أوَّلاً؛ أليسَ في كلِّ واحدٍ منّا يوجد سلوك مختلف ومتناقض؟.
لهذا أرى أنه لا يجب أنْ نرى ذلك الشخص المتناقض غريباً علينا، ولا ننظر إليه من زاوية واحدة فقط فهو قريبٌ جدّاً منّا في ذاتنا ومجتمعنا، وهو متفاعلٌ مع أفعالنا وحركاتنا وأقوالنا وتصرّفاتنا أيضاً- وليس ذلك على وجه العموم- والدليل على تناقضنا هو تعاملنا مع شهر رمضان المبارك، فقط قارن بين ما تقوم به في رمضان وبين ما كنت تقوم به قبل رمضان وما تقوم به بعد رمضان.
إذن أليس في معظمنا تناقضات، ولدينا من حبّ فعل الخير شيء، ولدينا القدرة والاستطاعة عليه، لكنّنا في الغالب متغافلين ومتقاعسين، ولسنا مستعدّين لبذلِ أيّ شيءٍ سواء أكان مادّيَّاً أم معنويَّاً في سبيله؟
ألسنا بذلك التصرف نتحوّل من أناسٍ مضطرِّين للعطاء والصدقة وحب الخير إلى أناسٍ كارهين له، ومستعدِّين للتحبيط أو ربما للأخذ ولاستقبال العطاء المعنويّ والمادّي من الغير دون عناء على حدٍّ سواء؟.
فمع كلّ هذا الكمّ من التناقض الحقيقيّ الموجود في النَّفس البشريَّة يجب علينا البحث عن الإنسان الحقيقيّ الطبيعي في ذاتنا أولاً، ونراجع أنفسنا قبل الحكم على تناقضات الآخرين؛ وبذلك يكون لدينا التعايش مع الإنسان الخالي من التناقض، ومن كان لديه رأي آخر فعليه البحث عن الإجابة، مع الإيمان التامّ بأننا فعلاً نحن أمام حقيقة مفادها أنَّ النَّفس البشريَّة هي عبارةٌ عن تركيب واجتماع مجموعةٍ من التَّناقضات داخلها، والبعض منا مفطورون على التَّناقض وأنَّ في داخل كلِّ واحدٍ منَّا تناقضه!