الوقاية من فيروس الغيبة والنميمة
إلهام عوض عبدالله الشهراني
لقد كانت حياة العرب القدماء بدائية تفتقد كل مقومات الحياة الكريمة والرفاهية، وكانوا يقضون أوقاتهم بالعمل الشاق لكسب الرزق، ويتصفون بصفات أخلاقية حميدة وعلاقات اجتماعية حميمة، وقلوبهم مملؤة بالرحمة والمحبة، وكانت وسائل التواصل بينهم باللقاء وجهاً لوجه أو بإرسال رسائل شفوية عن طريق الآخرين، وذلك للإطمئنان عن أحوال بعضهم، ومعرفة أخبار أقاربهم ومعارفهم، وفي غالبها تعتمد على أفراد قادمون من رحلة سفر، أو زيارة فيما بينهم؛ الأمر الذي كان سبباً لإنشاء ثقافة اجتماعية في نقل الحديث بين الناس، وهذه الثقافة توارثوها جيلاً بعد جيل فأصبحت عادة مكتسبة عند البعض.
وجاء الإسلام ليهذب هذه الأخلاق، ويصحح مسارها، ويضع حدوداً وضوابط لنقل الحديث بينهم، ثم تطورت وسائل المحادثات مع التقدم الحضاري بأوجه عديدة، ولكن استغل بعض ضعفاء الدين الوسائل الحديثة بطريقة تخالف أحكام الإسلام، بل وتسبب الفتن في المجتمع، وتصنع الشحناء والبغضاء بين الأفراد، وهي محرمة شرعاً ومنبوذة عرفا.
وانتشار ظاهرة استخدام اللسان أو القلم بطريقة محرمة يترتب عليها أضراراً جسيمة، منها: تفكك نسيج المجتمع، و التفرقة بين الأحبة والأرحام، وإشعال نيران الحقد والكراهية في القلوب.
إن الغيبة والنميمة إحدى آفات اللسان التي نهى عنها الكتاب العزيز، قال الله تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} -سورة الحجرات الآية 12- وقال عليه الصلاة والسلام : (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفريت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ماتقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته).
وقد أوضح العلماء الأفاضل أوجه الغيبة والنميمة عند البعض:
الوجه الأول:
إذا اجتمع اثنان وحديثهما عن ثالث من باب الفضفضة والتسلية، وذكرهم إياه بما يكره، ثم يتبادلان نقل الكلام بين الناس مما يسيء إليه نفسياً واجتماعياً ويفسد العلاقات ويورث الضغائن.
الوجه الآخر: الغيبة والنميمة تولد الحقد والحسد، وهي صفات الشيطان عدو البشرية حينما حسد سيدنا آدم عليه السلام، وحقد على ذريته، وأوقع الفتنة بين هابيل وقابيل.
موقف الشرع الإسلامي من الغيبة والنميمة:
تعتبر شر من الشرور، وتعطي انطباع عن الفرد بنقص في الدين، وإفلاس أخلاقي وتربوي، فالكلمة كالرصاصة إذا انطلقت لا تعود تقتل العلاقات بين أفراد المجتمع، ورصيد من السيئات ونقص من الحسنات.
في عصر النبوة توفيت امرتان
قال رجل: يارسول الله إن فلانة يذكر من صلاتها وصدقتها وصيامها. غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها؟ قال: هي في النار، ثم قال الرجل: يارسول فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها وإنها تتصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها؟ قال : هي في الجنة.
ومن زاوية أخرى: مع إيقاعات الحياة العصرية، وثورة التقدم الحضاري أصبحت الغيبة والنميمة جرثومة تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي بكل يسر عبر مرضى القلوب الذين ينقادون لأهداف ورغبات شخصية، ولا جدال أن الأمة الإسلامية هلاكها بالفتن فيما بينهم وأصحاب الفتنة يحترفون في صناعتها وترويجها بكل أحترافية بغطاء مزيف يحمل في طياته عبارات دينية، ونوايا عدوانية فينشرون الإشاعات الملفقة والعنصرية بين أفراد المجتمع، ويغتشون عن عثرات وزلات الآخرين. يقول الشاعر التركي سزاني كوج: (لايكفي أن تقول: لي نحن إخوة، بل يجب أن تبين لي هل أنت قابيل أم هابيل؟).
إن مواطن الغيبة والنميمة
في العصر الحالي متنوعة، منها: تبادل الرسائل عبر الواتساب أو تغريدة. المضمون يحتوي غيبة أو نميمة بدوافع متعددة فيوقع الناقل في أثم السعي لنشر البغضاء والشحناء بين العباد.
فعلى الفرد المسلم الحرص على مجالسة الأتقياء والبعد عن المجالس التي يكثر فيها الغيبة والبعد عن مايفسد دينه ودنياه، كذلك عليه الحرص على قضاء الوقت فيما يعود عليه بالنفع، ويبتعد عن الذين يتفنون في استيراد وتصدير الغيبة والنميمة نظير حياة عاشوها فقيرة الدين والمبادئ والقيم الإنسانية.
والعلاج من الغيبة والنميمة:
على المسلم تهذيب نفسه وترويضها بالطاعات قبل الرحيل من الدنيا، فصاحب الغيبة والنميمة يفتقر الحسنات، ويحمل ملف حقوق العباد، وعند الله تجتمع الخصوم.
كما قال قائل:
” نذرت أني كلما اغتبت إنساناً أن أصوم يوماً فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم فنويت أني كلما أغتبت إنساناً أن أتصدق بدرهم فمن حب الدراهم تركت الغيبة) .
وأخيراً:
أختم بقول ابن المبارك:
(وإذا هممت بالنطق في الباطل فاجعل مكانه تسبيحا..)، وأسأل الله الهداية لنا ولكم، وينور بصيرتنا فيما يحبه ويرضاه.