لحظة تفكُّر بين الدنيا والآخرة
إلهام الشهراني
يقول يحيى الرازي:
(الدنيا عند الله لا قيمة لها مع أنه يملكها، فكيف تكون لها قيمة عندك وأنت لا تملكها).
وحقيقة أن الدنيا دار ابتلاء وفناء والآخرة دار خلود وجزاء جاءت بها جميع الديانات السماوية، وإن السعيد من طال عُمره وحسُن عمله، والشقيّ من طال عمره وساء عمله.
هذا وقد أجمع العلماء أن مصطلح (مسلم) يطلق على من نطق كلمة التوحيد، وعمل الفرائض الدينية من صلاة وصوم وحج وعمرة، فهي نصف الدين الإسلامي، وحق الله على العباد سبحانه وتعالى.
كما أجمعوا أن المرتبة الأعلى في العقيدة هي (منزلة المؤمنين) أي أنها صفات يتمثل بها الفرد المسلم ذكرها الله في سورة المؤمنون بالثناء عليهم.
لذلك فإن ثمرة الدين الإيمان المتمثل في خشية الله بالسرائر والعلن والمداومة على عمل سائر الطاعات، وابتغاء مرضاته، وعلى سُنّة النبي عليه الصلاة والسلام.
قال قائل:
من يعمل الفرائض الدينية ولم تظهر آثارها في سلوك الفرد أفعالاً وأقوالاً فهو يؤدي الصلاة رياضة بدنية، وقلبه أجوف والوازع الديني عنده ناقص.
من الواقع :
ذكرتْ لنا فتاة من الطبقة المخملية أن زوجها يحافظ على الصلاة في أوقاتها بالمسجد، وبارٌ بوالديه، ويتصدق ويخرج زكاة المال
ثم أضافت بصوت يحمل في طياته الحسرة:
إن ثروته الباهظة تتجسد في تعاملات تجارية ما بين المكسب الحلال والحرام، أي: يأكل أموال الناس بالباطل.
ومن هذا المنطلَق نذكر صفات المؤمنين والتديّن الحقيقي حسب الشريعة الإسلامية:
إن التدين الحقيقي لا يُعتبر في صلاة مسجدٍ أو صيام، بل في سنام العقيدة الأمانة عند التعاملات التجارية والوظيفة، فالطالب أمانة عند المعلم، والمريض أمانة عند الطبيب، والأعمال الوظيفية أمانة عند الموظف، والجميع يدخل تحت مظلة قوله تعالى: (ويلٌ للمطففين).
إن التدين الحقيقي عندما يتحلى المسلم بالأخلاق الحميدة فلا يفشي أسرار أحد أؤتمن عليها، ولا يظلم، ولا يغدر.
كما قال ابن القيم: (إن الدين كله في الخُلق، فمن فاقك بالخلق، فقد فاقك في الدين).
إن التدين الحقيقي حينما يعمل الزوجان حسب ماتقتضيه الشريعة الإسلامية في حقوق الزواج وتربية أبناء صالحين.
إن التدين الحقيقي العمل شرعاً وعرفاً بقوله تعالى: “يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيرًا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ”.
إن التدين الحقيقي عدم الرضى عن النفس والشعور بالتقصير واللوم، كما قال محمد الغزالي:
(أصل كل معصية وغفلة وشهوة الرضا عن النفس، وأصل كل طاعة ويقظة وعفة عدم الرضا عنها، لأنْ تصحب جاهلاً لا يرضى عن نفسه خيرٌ لك من أن تصحب عالماً يرضى عن نفسه، فأيّ عِلم لعالم يرضى عن نفسه؟ وأي جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه).
إن التدين الحقيفي أنك ترى الدنيا في عينيك مزرعة تحصد ثمارها في الآخرة، كما قال إبراهيم بن أدهم: (إذا رأيتم الناس مشغولين بأمر الدنيا فاشتغلوا أنتم بأمر الآخرة، وإذا اشتغلوا بعمارة البساتين فاشتغلوا بعمارة القبور، وإذا اشتغلوا بخدمة المخلوقين فاشتغلوا بخدمة رب العالمين، وإذا اشتغلوا بعيوب الناس فأشتغلوا أنتم بعيوب أنفسكم، واتخذوا من هذه الدنيا زاداً يوصلكم إلى الآخرة فإنما الدنيا مزرعة الآخرة).
وفي الختام:
يجب على المسلم أن يضع النقاط على الحروف في حياته، بتيقن أن الدنيا ليست معزّة لمن يريد الاعتزاز بها، ولا مقرّ لمن يريد البقاء فيها فلا يشغل نفسه بها بل يجعل غاية أمنياته بالحياة رضى الخالق عزّ وجلّ عنه ويسأل الله ألا يكون من الذين يشعرون بالندم بعد الرحيل من الدنيا.
كما قال عليه الصلاة والسلام:
ما من أحد يموت إلا ندم، قالوا :
وما ندامته يارسول الله قال:
“إ ن كان محسناً ندم ألا يكون ازداد، وإن كان مسيئاً ندم ألا يكون نزع”
نسأل الله العليّ القدير الهداية لسواء السبيل.