كأس التتويج
عبدالله بن حمد الغافري
Alssedq@hotmail.com
الحمد لله رب العالمين يجزل عطاءه للمحسنين، والصلاة والسلام على القدوة في شكر الجميل وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
كل إنسان جُبل على حب الخير، وعلى الحاجة للتشجيع والإطراء عند إنجازه لعمل ما..
إن الأوطان لا تقوم إلا على سواعد أبنائها المخلصين العاملين المجدين المثابرين المجتهدين الذين يبذلون قصارى جهدهم.. وكما أن لكل مجتهد نصيب وأن الجزاء من جنس العمل، وأن الجائزة يستحقها المنجزون العاملون؛ ولهذا فإن المجتمعات ستنهض وتعتمد على سواعد أبنائها، وستتقدم نحو الرقي والازدهار في شتى المجالات إذا تم تحفيزهم وتقدير منجزاتهم، وتكريمهم بما يجعلهم يتفانون في تقديم كل جديد نافع للمجتمع.
وينبغي أن يكون التكريم على قدر الفائدة المرجوة من العمل الذي قدموه.. ولذا فإن تكريم المبتكر بتبني ابتكاراته وإعانته للحصول على براءة اختراع يعتبر حافزاً قوياً لهذا المبتكر، كما أن تبني هذا الابتكار ودعمه كي يكون واقعاً ملموساً مهم جداً، وهناك أمثلة لدول متقدمة وغنية وذلك من خلال تشجيع المبتكرين وتبني أعمالهم..!
عندما ندرك يقيناً أن تقديم درعا زجاجيا لمبتكر لا يعد تكريماً، فيما أن صاحب السباقات بأنواعها يحصل على جوائز مالية كبرى وسيارات ووجاهات! فهنا ينبغي مراجعة هذه الأفكار، وتصحيح هذا التوجه حتى لا نحبط المبدعين..!
وهنا تبرز الحاجة الملحة من بيده القرار أن يحدد نوع المجالات التي ترقى بالمجتمع وترفع شأن الوطن وتحقق له الاستقلالية والاكتفاء الذاتي..
ومما نلحظه في قنواتنا الإعلامية أربع جوانب رئيسة؛وهي السياسة، والاقتصاد والثقافة، والرياضة. ولا شك أن هذه المجالات ذات أهمية كبيرة في حياة الإنسان دون أن ندخل في تفاصيل كل مجال.. وهذه المجالات شديدة الترابط فيما بينها وكل مجال منها يؤثر في الآخر بطريقة أو بأخرى إيجاباً وسلباً، وبالتالي فإن التوازن فيما بينها يصبح من الضرورة بمكان مما لا يخفى على كل ذي بصر وبصيرة..!
ومع احترامي لكل الفعاليات الرياضية منها أو الثقافية أو غيرها، إلا أن الزخم الإعلامي الكبير معظمه يركز على الرياضة، وخاصة كرة القدم كمثال. فكرة القدم لن تطعمنا إذا جعنا، ولن تحمينا إذا حوربنا، ولن تغنينا إذا تغيرت أحوالنا – لا قدر الله- فلماذا هذا الاهتمام المجاوز للحد؟؟!
لذا نريد أن أرى منافسات طوال العام في الإنتاج الغذائي مثلاً، ومنافسات في طرائق التسويق، ومنافسات في تحقيق الجودة، ومنافسات في الأسعار، ومنافسات في التطوع لخدمة المجتمع و.. و.. إلخ. فهذه المجالات من وجهة نظرنا هي التي تستحق التحفيز، وتستحق كأس التتويج؛ لأنهم بحق هم من يسعدون المجتمع وينفعون الناس..
كما أن الجانب الثقافي هو الجانب الأكثر أهمية عن كل الجوانب من وجهة نظرنا؛ لأنه يمثل العمود الفقري لبقاء المجتمع وتقدمه، والعناية بالتراث الوطني مهم جداً، وكذلك الاعتناء بالقرآن الكريم والعلوم الإسلامية من مصادرها الصحيحة التي تحفظ كيان المجتمع، وتحمي شبابنا من الأفكار الدخيلة وتحميه من التردي في الأفكار الهدامة الإلحادية منها والتعصبية، والأفكار التي تدعو للشذوذ والخروج على أركان الأسرة المسلمة القائمة على الزواج الصحيح بين الجنسين وعلى إمداد المجتمع بذرية صالحة تتحمل الأمانة، وتستعد للحفاظ على تراب الوطن عند النوازل، وليس مجرد بشرا ذكوراً وإناثاً كغثاء السيل لا قيمة لهم، ولا نخوة عندهم ولا غيرة على وطنٍ أو عرضٍ أو كرامةٍ!!
لهذا كله نرجو أن تكون المجمعات الرياضية التي شيدت في المحافظات، والأندية التي بنيت في كل الولايات أن تكون ميادينَ منافساتٍ ومناجزاتٍ في الجوانب الثقافية المختلفة، من العلوم والمعارف،!واللغة العربية، والتاريخ، والجغرافيا، والموروث الحضاري العظيم لعمان!
إن تغريب الأجيال في هذه الجوانب يؤذن بناقوس خطر يطرق أبواب الوطن.. وبالتالي فلن يجد الطارق من يدفعه عن البلد؛ وعندها لا ينفع الندم إذا رضيت الأجيال بطمس هويتها أو التنكر لآبائها وأجدادها..
فالدنيا متعاقبة وطفل اليوم رجل الغد..! أما رجل اليوم فهو غداً الشيخ الكبير، أو الرجل الفاني الذي يسلم الراية رغماً عنه لمن يأتي بعده!. يقول الله تعالى: {وَلۡیَخۡشَ ٱلَّذِینَ لَوۡ تَرَكُوا۟ مِنۡ خَلۡفِهِمۡ ذُرِّیَّةࣰ ضِعَـٰفًا خَافُوا۟ عَلَیۡهِمۡ فَلۡیَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلۡیَقُولُوا۟ قَوۡلًا سَدِیدًا}-[سورة النساء 9].
إن الخوف في هذه الحالة لن يكون على الذرية وحسب بل الخوف على الوطن بأكمله..!! وكل من يتخذ قراراً اليوم سيتحمل نتيجته غداً إن كان خيراً أو شراً!! وإن الأوطان والشعوب والأجيال اللاحقة لن تسامح من كان سبباً في ضياعها أو دمار أوطانها!!
فعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ومع أن الحديث يوجه إلى التأمين المالي للورثة كي يبقوا أغنياء فإنه بالمفهوم نأخذ منه وجوب تأمين الجانب الفكري والوطني والديني الذي يحفظ للمسلم دينه وكرامته وأرضه..
فأين كأس التتويج للكُتّاب والمؤلفين؟!
وأين كأس التتويج للصُنّاع والمنتجين؟!
وأين كأس التتويج لحفظة القرآن الكريم؟!
وأين كأس التتويج للقراء والمبدعين؟!
وأين كأس التتويج للجنود المرابطين؟!
وأين كأس التتويج للمزارعين المنتجين؟!
وأين كأس التتويج للصُنّاع والحرفيين؟!
وأين كأس التتويج للمؤرخين والجغرافين؟
وأين كأس التتويج للعباقرة السياسيين؟
وأين كأس التتويج للمعلمين العاملين؟
وأين كأس التتويج للشباب الطامحين؟!
إن الاهتمام بتوافه الأمور وتكريم التافهين لن يرجع بنفع لنا ولا لوطننا، ولتبقَى عمان هي الهدف الأول بعد الله تعالى، وكل ما يرفع من شأن عمان وتقدمها فلا يجوز إلا أن يكون أولى الأولويات..!! فعمان إنسان كادح متحضر، وعمان مسلم مؤمن متسامح، وعمان تاريخ عميق، وعمان مجد سامق، وعمان حضارة ضاربة في الأزل، وعمان بنيان شامخ، وعمان سفينة تمخر عباب الدنيا لترسو بأهلها على ضفاف أنهار الجنة.. ومن يريد لعمان أن تكون غير هذا فهو واهم وخاسر.. فالسراب لا يكون إلا سرابا..
اللهم احفظ عُمان، وأهل عمان وقائدها، وخذ بنواصينا جميعاً إلى البر والتقوى.. والحمد لله رب العالمين..