2024
Adsense
مقالات صحفية

كنوز خالدة من السيرة العطرة لأبناء الرستاق ( 3 )

خليفة الحسني

خليفة الحسني

‏2020khalufasaif@gmali.com،

هذه السّيرة الكريمة والكنوز الخالدة مما ورثه من العلم والثقافة والمعرفة الإنسانية والإثراء وسماحة النفس وتأثير ذلك بالقيم والأعراف.
نعم إنها سيرة أهل الخير مما كان لها هذا الاشتياق وفيضُ المشاعر، إنها شخصية من الجيل الطيب الذي لا يعرف الملل، اتخذ من الحياة اليومية الأمَل المنشود، ومقاصد الضيافة والجود. هذه السيرة لم تغب شمسها مهما رحلوا أهلها عنا لما لها من المعانى والإرث، وأنها المعادن الثمينة ومسارات حافلة بالكثير لهذه الشخصية التي ساهمت وأينعت فضائلها بالخير لأهالي الولاية والقرى، فإن هذه السطور البسيطة والمتواضعة لا تفي لهذا المقام الذي أورثه الزمان وخلده فإنه باق وخالد، والإشارة إلى هذه الشخصية التى كانت قريبة من القلوب وما تنغمت بذات الأبيات الشعرية وطاب لها مقاماً ومكاناً، وكانت زمراً وعنواناً، نعم إنها شخصية (الشاعر ) الشيخ الجليل ناصر بن سيف بن خلفان بن خميس بن خلفان بن سالم بن عمر بن سعيد الشقصي، من فخيذة أولاد عمر المشاقصة، مسقط الرأس قرية الوشيل بولاية الرستاق.
ولد الشيخ الشاعر عام ١٩٠٦م الخامس من ذي القعده ١٣٢٣هـ، وتوفي في ٩/يناير/١٩٨٩م عن عمر يناهز ٨٣ عاماً رحمة الله عليه، وأحزن رحيله قريته “الوشيل”، بل القرى المجاورة وأهلها بهذه الولاية -الرستاق- وكان له من الخلف الصالح خمسة أبناء وثلاث بنات.
كان شاعراً يتمتع بصوت له قبول كبير، وينظم بعض القصائد الشعرية ومفرداتها ومعانيها، وكان ينتقى ويحفظ أبيات الأشعار عن الشعراء، ويلقيها في التجمعات الأهلية وبين الأصدقاء لما له من لحن جميل يعجب ويشتاق إليه السامعون، وترنمات يمتاز بها، وكانت أبيات شعره وقصائده التى أصبحت لها صيت في ذلك ، مما لقب (بالشاعر ) ومن مسار حياته الشخصية هي:
السفر إلى زنجبار تقريباً في عام ١٩٣٦م، ومكث بها ما يقارب عامين عمل خلالها بالتجارة متنقلاً بين مناطقها وقراها بكل همة ونشاط، وهو فى ريعان الشباب، وبعدها رجع قبل بداية الحرب العالمية الثانية، وبعد هذه العودة للوطن عمان تولى مسوؤلية قرية الوشيل خلفاً للمغفور له بإذن الله الشيخ شيخان بن راشد الشقصي، وأصبح الشيخ المعتمد للقرية بأكملها ومسؤولاً عن الأوقاف والمساجد والأيتام والأرامل وكاتباً للعدل آنذاك للوشيل، والقرى المجاورة لها، يعاونه في ذلك الأمر بالتناوب كلاً من أخيه الشيخ سليمان بن سيف بن خلفان بن خميس الشقصي، والشيخ سيف بن محمد بن سمح الشقصي، والشيخ سليمان بن سعيد بن سليمان الشقصي، كما أنه أحد جباة الزكاة، واستمر في مسؤولية القرية أكثر من أربعين عاماً، وفي عام (١٩٦٠م تقريباً) عين نائباً لوالي الرستاق على نيابة الحوقين، واستمر فيها حوالي الثلاث سنوات، بعد ذلك طلب من ذات نفسه إعفاءه من عمله هذا كنائب للوالي بهذه النيابة، ثم عاد إلى قرية الوشيل لكي يواصل نشاطه واستمراره في رعاية القرية ومصالحها من عمارة المساجد وبناء مدرسة لتعليم القرآن الكريم، ومتابعة صيانة الفلج وأموال المساجد والأوقاف، فكانت حياته مليئة بالإنجازات، وفي أواخر عمره فقد بصره رحمة الله عليه.
ومن أطيب ما قاله من أبيات شعرية وهو مسافر خارج البلاد مما جاشت أشواقه للوشيل (الرديدة) وكان لهذا الاشتياق بنظم هذه الأبيات تحت عنوان دار الوشيل، قال في مطلعها:

داري الوشيل أي البلد
كم ‏فرجت عنها النكد
كم غيمت سحب الندى
فيها الضيف قد وفد
كم أسفرت بجلالها
ولها الفضائل والمدد
شبهتها كالبحر فيه
ضم الجواهر بالصمد
فأهلها أهل الوفاء

نعم أيها السائل إنه الشاعر، هذه الشخصية الكريمة المضياف، كان -رحمة الله عليه- المسؤول أمام الله وأمام أهل قريته الوشيل التي ترعرع بين جنباتها، وهي من القرى القديمة، ولها مسار من الإرث والتاريخ ومصادر من الأرزاق وتأويل لقمة العيش خاصة من الزراعة؛ مما كان الكثير من يتوافد إليها لما سمي بالمقيض بأوقات حصاد التمور والحبوب، وكانت الوشيل مزدهرة بهذه الزراعة والمحاصيل المختلفة، مما ميزها بتنوع مصادر الرزق وللكثير من فرص العمل اليومي لخدمة هذه المزارع، وكانت هذه الأسباب التى تجعل البعض من هذا التوافد إليها لهذا المقيض وتأويل لقمة العيش وخاصة عندما تكون هناك أعوام من الجفاف ببعض القرى بالولاية عند جفاف أفلاجها وعيونها، ومن المعروف بذلك الوقت قلة مصادر الرزق سواء من الزراعة أو تربية الماشية أو السفر خارج الوطن، فكان للوشيل مكانة لهذه المقاصد، وكان (الشاعر) هو المضياف لكل من يأتي لهذه القرية نظراً لتلك المسؤولية لها، فإنه يفيض كرمه في تقديم ما يملكه من زاد وغيره فضلاً على أنه كان يؤهل المأوى للكثير من القادمين لهذه القرية لهذا المقيض وتخصيص لهم بعضاً من أراضي الوقف ليبنوا فيها عروش من سعف النخيل حتى تكون مسكناً لهم ولعوائلهم بصفة مؤقتة وتوفر لهم الحماية، وفيما يحتاجون إليه بما فيها التنسيق لهم لتوفير الأعمال الزاعية، سواءاً في أموال الوقف أو أموال بعض الأهالي بصفته المسؤول عن القرية وضيوفها، ومن هذا الفيض وهذه المكارم فإن البعض منهم يفضل البقاء والاستقرار بهذه القرية وذلك لتوافر العمل اليومي بالزراعة وغيرها.

هكذا كانت أعمال شخصية الشاعر وتعاونه مع القريب والبعيد بهذه الأعمال الإنسانية، وهناك الكثير من الإنجازات لهذه الشخصية التي تشرفت بتدوينها من خلال هذه السطور المتواضعة، بأن أذكر من تلك الحياة الكريمة التي سادها التعاون والكرم، داعياً الله بأن تكون شافعة له يوم الحساب وأن يغفر له ويرحمه٠وها هم الخلف الصالح من أبنائه وأحفاده يحملون هذه السيرة الطيبة بكل ما يستوجب منهم ولهم الأجر والثواب بذلك، وهنا
ألتمس المعذرة من كافة أسرة هذه الشخصية الكريمة إن كان قد ورد تقصيرٌ غير متعمد فيما ذكرته من هذه السيرة العطرة، وهو أقل من واجب مني، رحمة الله عليه ورحمة الله على والدي التى كانت بينهما روابط وصداقة أخوية، كانت تجمعهم رحمة الله عليهم جميعاً ولأموات المسلمين،
وحفظ الله عمان وأهلها
وسلطانها المفدى، أعزه الله وأبقاه ،اللهم آمين
—————-
مصدر البيانات وإذن النشر من أبناء المغفور له، وعنهم علي بن ناصر بن سيف الشقصي ،(رشيد بلدة الوشيل)

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights