د. يعقوب اللويهي
و استقرّ شفقُ سماها، وكأنّ الشمسَ حُبستْ كما حُبسِتْ لِيوشع، فظلّتْ عينًا حمئةً وتوقفتْ عجلةُ الزمن ليقضيَ الله أمرًا كان مفعولاً. حمرةُ المكانِ كانت طاغيةً في تلك الغرفة التي كان ترقدُ فيها روحُ السلام والتي ما إنْ فاضت تلك الروح حتى غربتْ شمسُ الحبِ والعلم واليقين، وانتقلت إلى بارئها.
ذلك العلمُ الذي انبثق من مشكاةِ طينٍ قد اهترأتْ حوافّه فعمّ نوره البلادَ رحمةً وعلمًا وأبتْ إلاّ أنْ تُوفّيَ دَيْنها من العلم وهي في غمراتِ الرحيل حين كانت تصارع السكرةَ تلو الأخرى لتترك آخرَ قسطٍ منه بيدِ ( إسحاقها) حين أمسك يده موصيًا بما رأته بصيرته في بعض مسائل الدِيات.
و انقبضتْ تلك اليدُ المعطاء التي لم تنْفّك يوماً من بسطِ راحتها بالبذل والكرم، وظلتْ إيماءآتُها تروح و تغدوا بالعطايا والكرم لكل من جاء لزيارته أنْ ضيّفوه وأكرموه! حتى الرمق الأخير.
وحين ذبلت الشفتان التي لطالما ترنّمت بأحسن الحديث والسبع المثاني، أوكلتْ شيخها الدوكالي ليصدح بسنام القرآن في أرجاء ذلك الجو الحزين.
ورقدت شمس كرامته وما كان ينبغي لأحد أن يستفتح تأبين ذلك الجثمان الطاهر سوى ما التفت عليه قلوب عُمان، فما أن صعدت روحه حتى دخل عليه سماحته فألقى عليه السلام وتضرعت بالدعاء خليلُها واستودع الرحمن سليمانَها.
أيُ دمعٍ يروي قحلَ قلبٍ جفّ حزنًا لفراقه، إلاّ أنْ تداركته عينُ السماء لتغسل ظَهر الأرض وبطنها قبل أنْ تحتضن ابنها البار الذي نثر بذور الحب والمودة على بقية ذريتها.
وتسابقت الأيدي لتنال شرف غسل ذلك الطُهر وتطييبه.. و عندها ماذا يلملم تلك النفوس المفجوعة وكلها تصدح بالبكاء ولكأني أرى عبدالله بن عمر ( رضي الله عنه) وهو يجوب طرقات المدينة وأزقتها، وما بقي فيها من صغيرٍ و لا كبيرٍ إلا وقد غرقت أعينهم بالدمع حين ودعت فاروقَ أمتها.
وما كانت تلك الطمأنينة التي أسكنتْ صدور المحبين إلا كما قال أبو بكر حين ودع نبي هذه الأمة : ….” فلولا ما خلّفتَ من السكينة لم نُقِم لما خلّفتَ من الوحشة، اللهم أبلغ نبيك عنا واحفظه فينا”.
إلا أنه لا مصيبةَ أعظم من مصيبتنا بالنبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام.
#راحيليّات.. أبو راحيل
====================
* إسحاقها : الشيخ إسحاق البوسعيدي حين أوصاه بالنظر في أحد الأحكام المتعلقة في الدِيات قبيل وفاته بيومين
* خليلها : سماحة الشيخ أحمد الخليلي المفتي العام حين دخل عليه بعد وفاته مباشرة، فقد كان حاضراً ودخوله كان لنا مفاجأً في المستشفى
* سليمانها : والدي سليمان
الغرفة التي كان يرقد فيها كان معظم اثاثها باللون البرتقالي الداكن وكذلك الإضاءة تميل إلى الصفرة المحمرة فكانت أغلب وقتها بنفس اللون!