السـعادة في تجاوز البصر والتزام البصيرة
علي بن مبارك اليعربي
يسعى الإنسان في هذه الحياة إلى العيش بسعادة، وهناء، وراحة بال، واطمئنان من خلال كسب محبة الناس، ونيل مودتهم وثقتهم واحترامهم له، ولن يتحقق له ذلك إلا إذا أدرك فن التعامل معهم، والتأثير فيهم وهذا ليس بالأمر الصعب، ولكن أيضا ليس بالأمر الهين كما يتصوره البعض، فالنفس البشرية متنوعة الخصائص والسمات معظمنا يجهل التعامل معها ومع ذلك علينا أن نتعلم ونهذب أنفسنا باستمرار، ونطور أساليب تعاملنا لنحقق ذواتنا… بقليل من التأمل وحسن التدبر واستقصاء ذلك من المنهج الرباني القويم، لندرك تماما كيف تتم صياغة منهجية التعامل مع الآخرين، وذلك بأن نقف في سورة الأعراف عند آية قصيرة موجزة قال العلماء: إنها جمعت مكارم الأخلاق، وهي قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]،
لأن الدين المعاملة، وهي اعتقاد وسلوك، لذلك على المرء أن يتجاوز ما يشاهده و يصادفه من أحداث في هذه الحياة بالبعد عن النظرة التشاؤمية، وبحسن الاعتقاد واستكمال وجوده في هذه الحياة، وهذا يتطلب معونة الآخرين له، ولن يحصل على ذلك إلا من خلال إتقان مهارة التعامل، والتفاعل، والتفاوض معهم؛ لتحقق الأهداف والغايات المشتركة، لا بد من الاعتماد على ثلاثة ركائز أولها:
العفو (الصفح).
ثانياً: ترسيخ أسس قوية للتواصل منها الألفة والتقارب والمودة؛ ليكون بها الفرد قادر على تقوية التعاون وتكوين علاقات طيبة من شأنها أن تصنع مجتمعات متمسكة بقيمها ودينها الحنيف.
ثالثاً: مقابلة أخلاق الناس باللطف واللين، وغض الطرف، والإصغاء لهم تعد فضيلة، وصفة حميدة تترك أثرا في نفوسهم، فكما يقال عامل الناس بأخلاقك لا بأخلاقهم تكسب ثقتهم وتقديرهم و احترامهم لك بلا شك ويكون ذلك بعدم التركيز على سلبياتهم وابحث فيهم عن إيجابيات تعزز مكانتهم في قلبك وتقر عينك بها، ولا تنظر إلى نصف الكوب الفارغ، فالسعادة في تجاوز ما تضيق به نفسك من خلال ما ترى وتسمع وركز ببصيرتك ونظرتك الثاقبة إلى نصف الكوب الممتلئ، لأنها ستجعلك بكل تأكيد دائما وأبدا متفائلا تشعر بالسعادة والهناء فكما يقال: “إن لم يكن الصفح و العفو من أجلهم فهو من أجلك” . أي حتى وإن كانوا لا يستحقون ذلك فأنت بكل تأكيد تستحق الاطمئنان وراحة البال.
خلاصة القول إن ثقة الإنسان بنفسه تتأتى من ثقته بالآخرين، ليشعر بالأمن والأمان ولا يقسو على نفسه ويتفهم مشاعر الغير، وليتصف بفكر إيجابي ويتعامل مع كثير من الأمور بواقعية، ويلتزم بالهدوء والعقلانية، وهذا يساعده على عدم التسرع في الحكم واتخاذ القرار، ولا يفسر كل ما يبصره ويشاهده دون التثبت منه، فهناك وجهة نظر ثالثة في التعامل مع الآخرين وهي التي ترى الكوب بنصفيه الفارغ والممتلىء، فذلك الفكر والنظرة الأقرب لواقعية الحياة، لهذا أقول السعادة في تجاوز البصر وإلتزام البصيرة.