تقدير ذاتك
علي زين العابدين الحسيني
في كلامٍ ممتعٍ للأستاذ عباس محمود العقاد عن إدراك الإنسان لقيمة نفسه، واعتزازه بجهده الذي يقوم به يرشدنا إلى ضرورة أن يَكل الشخص تقدير قيمته وجهده لنفسه، وإذا أردنا أن يكون الأمر أكثر موضوعية من كلام العقاد؛ إذ قد يكون مبالغاً فيه عند بعضنا فلا أقلّ أنْ يكون التقييم من أهل الخبرة ممن يمتلكون قدرة التقييم وقوة الأداء.
يصور لنا العقاد أنّ الذي يكل إلى غيره أمر تقدير قيمته هو أشبه ما يكون بالسلعة في الأسواق التي يتراوح سعرها بين الحاجة إليها في بعض الوقت، وفي أوقاتٍ أخرى يتم الاستغناء عنها، وقد جرت العادة أن المرء يساوي القيمة التي يضعها لنفسه؛ إذ لا ينتظر من الآخرين منح الثقة والتأييد، أو إظهار القيمة المستحقة له.
مَن تشوق إلى الثناء عليه من غيره فقد دللّ على فقدان الثقة بنفسه، وارتيابه في قيمة نفسه؛ لأنّ الواثق بقدراته لا ينفعه مدح المادحين، ولا تضره كذلك مذمة الذامين، فهو أكبر منهما، نعم يلتفت إلى آراء الأشخاص المعتدلين في نقدهم، خصوصاً إذا وُجّه النقد ممن تظنه محباً ناصحاً صادقاً في طرحه؛ لأن الأخذ برأي مثل هؤلاء -دون غيرهم- سبيلٌ للارتقاء بالنفس.
إنّ معرفة القيمة الذاتية للشخص نفسه أفضل بكثير من انتظارها من غيره، إذ ساعتها يشعر الباحث عنها بأنّه في مزاد علني ينتظر الشفقة أو الكلمة الطيبة من أحد، هذا إذا سلمنا أنها تصدر من أناسٍ يشار إليهم بالبنان عِلماً وبذلاً، وأحطّ من ذلك مرتبة مَن ينتظرها ممن لا شأن لهم.
حسب الشخص ثقة بنفسه أن يعرف مقدار نفسه، ولا شكّ أنّ الثقة العالية مع القدرات المتواضعة أنفع بكثيرٍ من القدرات العالية مع الثقة المتواضعة، ومن الكلمات التي تَمنحكَ الثقة مهما كنتَ عَاجزاً هذه الأفعال الثلاثة: أتعلمُ، وأحاولُ، وأجربُ، فالتعلم أولّ إعدادٍ للثقة بالنفس، ومحاولة الولوج في العمل يُعززها، والتجربة خطوة لا بد من المغامرة بها، وما مِن عظيمٍ إلا كانت التجربة من خطوات نجاحه.
إذا كان الشخص على قدرٍ كبير من الثقة بنفسه والإحاطة بقدراته فإن ذلك ينعكس على البيئة المحيطة به، وللشخصِ الواثق بنفسه ثنائيةٌ رائعةٌ يحسن الالتفات إليها، وهي أن يحمل شعور الأب، ويتعامل تعامل الأخ، فيحقق العطف مع مَن حوله ويتحملهم، ويحترم إنسانيتهم واهتماماتهم الشخصية، وينتج عن هذه الثنائية: بعث الثقة وزيادة الأمل.