رحلة غوص بمصب الغضن من محوت
د. محمد بن أحمد بن خالد البرواني
alnigim@gmail.com
محمد للإستشارات الإدارية والتربوية والتعليمية
يَزخرُ هذا الوطن العظيم بخيراتٍ عظام وأرزاق وفيرةٍ وأماكن جميلة خُلقت من أجل الإنسان ليُسخرها تحت إرادته، و لينعم بها وينال راحةَ نفسهِ ورِزقه.
دعاني ابن أختي طاهر الغواص المُحترف لمرافقته مراراً ولم أملك الشجاعةَ لدواعٍ مختلفة، ونواهي النفس المتنوعة، وما أن تغلبتُ على ذلك إلا وأشدّ رحلي ميمماّ قبلة الغضن أنعم بالراحة والهدوء، وأبعد الأوجاع والهموم، وأشهد الجديد والمفيد، فانطلقنا بعد المغرب بسم الله متوكلين، ولسيارتنا مقلين، فهو حسبنا ونعم الوكيل، وبعد أن شددنا على ما أخذنا من متاع الوثاق، وسرنا سير المستقيم إلى مبتغانا، والاتصالات تحدد لقانا، فكان ميّسرا، والأصحاب قد سبقونا مبكراً، وأوعوزوا لنا بحمل ما تبقى، وعدم نسيانه للأهمية القصوى، فأكدنا عليه مرات ومرات، من خبز وتمرات، والدّلال المعمرة بالشاي قد أخذت من مكان الركاب نصيبا، وسيشرب منه القريب والبعيد، وانطلقنا نتسامر نتناول ذكريات الطريق، ومرابع الأهل كلما مررنا على بلدٍ لنا فيها قريب وصديق، أو نسب وصهر وخال وذكريات الصبا وجمال البساتين ومرابع الطفولة بقصصٍ كان الكابول والفخ -أنواع من مصائد الطيور في عمان- فيها رفيق، وكما قال الشاعر الشابي
للهِ مَا أَحْلى الطُّفولَةَ
إنَّها حلمُ الحياةْ
عهدٌ كَمَعْسولِ الرُّؤَى
مَا بينَ أجنحَةِ السُّبَاتْ
ترنو إلى الدُّنيا
ومَا فيها بعينٍ باسِمَهْ
وتَسيرُ في عَدَواتِ وَادِيها
بنَفْسٍ حَالمهْ
إنَّ الطّفولةَ تهتَزُّ
في قَلْبِ الرَّبيعْ
ومشينا محثين السير إلى أن وصلنا محوت، فاشترينا خبز وماء وما نحتاجه من غذاء، وتابعنا المسير وجوجل كان الدليل، والمعوّل عليه مهمة الوصول، دون خطأ أو نسيان، أو غفلة أو فقدان، وبعد ساعة وصلنا، وبأصحابنا التقينا، فدعونا الله وشكرنا، وعلى نعمائه وفضله حمدنا، أنزلنا المتاع، وبدأت رحلة الغواصين وجهزوا أدواتهم كلّ تجهيز، فأصبح القرآن الكريم يرّن في كلّ مسمع، والإضاءة في المكان في كلّ موقع، فتعوّذنا من شرّ المكان ورجونا خيره، وبدأنا في متابعة الغواصين، والحديث في شمال ويمين، أما صاحبكم فقد استسلم للفراش ولم ينال حتى الوسن، وجاءت البشرى وحضر الغواصون بخيرات عظام وفضل من الخالق سبحانه وتعالى، وصلّوا واستسلموا لنوم عميق، يذهبُ النصبُ وجُهدُ الغوص والطريق، وكما قال الشاعر حسين خميس آل علي
يالسٍ يدّي ويتأمّل
البحر ويراجع أفكاره
يذكر أيام الزمن لأوّل
يوم كان الغوص وأسفاره
قمت أنا بتخبّره وأسأل
عن زمان الغوص وأخطاره
صدّ لي ثم قال لي: تمهّل
وإستمع من يدّك أخباره
قال: كنّا كل سنه نرحل
قاصدين الغوص في أبحاره.
وما إن انتصف النهار رأينا الصّافي والحبّار، ولم يَنال شغفي سوى وجود شاب ماهر، يدعى الصقري عيسى في التاسعة عشرة عاماً ذو همة وقرار، وشجاعةٍ لا يشوبها غبار، مقداماً غنضفراً، قيصراً صميدعاً، صبوراً سمحاً، حدثنا قصصاً جميلة، وقدّم لنا معارف جديدة، له في ذلك أهدافاً وآفاقاً وطموحٌ وغايات واضحة، وجلسنا على هذا الحال غوص وانتظار إلى أن وصل وقت العودة، فحمدنا الله شاكرين، وعلى نعمه ورزقه متحدثين، وبآياته موقنين، فهو القائل الحق: {وَهُوَ الَّذِى سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمَاً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرىَ الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيْهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}- سورة النحل (١٤)- صدق الله العظيم.
ولم يبق إلا أن نقول، هل هناك في الأفق عملٌ للإستفادة من هذه المواقع، وهل من يأخذ بيد هؤلاء الشباب، ويكون لهم مرجعٌ ينالون فيه كلّ اهتمام، فالثروة الشباب والمهارة أهم سلاح، والخيرُ في الشباب الطامحين وكما يقول الشاعر؛
شباب قنع لا خير فيهم
وبورك في الشباب الطامحينا
شباب ذللوا سبل المعالي
وما عرفوا سوى الإسلام دينا
شباب لم تحطمه الليالي
ولم يسند إلى الخصم العرينا.