التنافس بين أطياف المجتمع في العمل التطوعي
محمد بن سالم الجهوري
“حياة واحدة نعيشها جميعًا، فليس من الفطنة إذن نحياها ونحن نرتجف هلعًا ورعبًا، وليس من الفطنة كذلك أن نحياها دون أن نتعلم فيها ومنها…! كم من حولنا ولدوا أو عاشوا أو ماتوا…؟! فلم يشعر بموتهم أحد، كما لم يشعر أيضًا بحياتهم أحد”(كريم الشاذلي، كم حياة ستعيش؟، 2011م).
جاء في قول النبي المصطفى ﷺ: “مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه شيء تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”. وفيه تتضح ملامح الرؤية التي يجسدها التلاحم والترابط والتكاتف والتعاون بأفراد المجتمع نحو الخير ودفع كل شر.
يُعد العمل الخيري من القيم النبيلة الهادفة والمثمرة لبناء المجتمع، وتظهر فيه ركائز الولاء والانتماء في الوطن الواحد وخارجه.
برز الدور المجتمعي العُماني في رسم ملامح هذه الأعمال منذ القدم وهي ليست جديدة على السواعد المتكاتفة المحبة للبناء والعطاء خدمة لمجتمعهم.
لفت انتباهي في أثناء كتابتي لبعض التحليلات التوثيقية وثيقة من بين عدة وثائق ارتأيت الإتيان بها كأنموذج ذكرًا وليس حصرًا، وجاء بها: ” … صدرنا لكم الكتاب من بندر الكويت لم يحدث علم ايضًا، وكتابكم الشريف قد وصل وفهمنا بما ذكرتم من جهة المساعدة، نعم نحن حين وصل كتابكم قمنا بالواجب وجاوبنا الجماعة وأكثرهم سلموا، قدرنا على النفر عشرين ربية والذي سلموا هذي أسمائهم واصله في هذي القرطاسه، وجملت الدراهم واصلات يليكم (إليكم) وهنه ست مائة ربية وعشر ربيات … لتعلم، وأنتم بنظركم كفايه، وإذا اردتم غيرهن نحن مستعدين ندافع عن الوطن بالحال والمال وسلام، تحية اولاكم (أولادكم) المقيمين في أرض الكويت كافة … جرى يوم 10 ربيع الأول 1385هــ”.
دافع الولاء والانتماء الذي دفع المغتربين لتفعيل دورهم في الأعمال الخيرية التي تستجد بين الحين والآخر في أوطانهم، ما أجمل هذا العطاء في أهل البناء رغم قساوة الحياة وهجرتهم لجلب المال لأسرهم، ولكنهم بالرغم من ذلك كانوا سواعد المعونة بقلتها أو كثرتها، وهذا حال جميع أبناء عُمان دائمًا سباقين للخير والأعمال التطوعية مهما كانت ظروفهم وحاجاتهم.
ضرب أهل الخير أمثلة بارزة في الجمعيات الخيرية والفرق التطوعية على المستويات المختلفة، ففي أثناء تصفحنا لهذه الجوانب نرى أدورًا لأفراد سخروا حياتهم لخدمة الآخرين وبمثلهم نفتخر ونفاخر، ولكنهم رغم ذلك من المؤكد أنهم يعانون كثيرًا في عمليات الحصر والجمع العام من أهل الخير، كما أن الجهات الحكومية المختصة بالمساعدات تحاول بقدر المستطاع أن تضع النقاط على الحروف، خاصة ونحن اليوم في أزمة مالية خانقة واسعة الأرجاء برزت بدايتها في تراكم الأيام ولا نعلم متى تنتهي وكيف يمكن أن تزول في ظل جائحة معتمة؟ تخف حدتها عندما تعلوا أصوات العطاء بأبواق الثراء ممن هم في أرض الوطن كما فعل المغتربين، وكما فعل أبناء الوطن من العامة الذين برزوا دائمًا لمساعدة الآخرين ممن لا يملكون مصدرًا للدخل.
ولعلنا في أمل لرؤية تنافس كبير في مشاريع واستثمارات زراعية وصناعية وتعدينية وجمعيات خيرية يتبناها المقتدرين بالتعاون مع الجهات المختلفة تكون قاعدة خدمية لمن لا يجدون مصدرًا للرزق في ظل الأوضاع الحالية حتى يتيسر لهم الحال في وظيفة ثابتة ملبية لاحتياجاتهم. فما أجمل أن ترى تسابق وتنافس بين مختلف أطياف المجتمع بالمال والحال لخدمة إخوانهم ممن هم في حاجة ماسة مما يبعث في نفوسهم الشعور بالسعادة والسرور والايجابية، ليبقى لديهم شعورًا بأنهم مهما تعثروا ومهما واجهتهم من ظروف سيجدون يد العون ممتدة بفضل من الله أولاً ثم للدور الذي سيقوم به المحبين للخير لمساعدة من وقع في محنة ما، وهذا ما سيبقى ويذكر للأبد.
فالقلوب التي تفتح أبواب العطاء تشعر بالسعادة، وما أجمل أن تكون منها مفاتيح العون لمن يعاني من مشكلة ما.