مقال : موظفون يودعون مسؤولهم (المستقيل)!
بقلم : سيف بن سالم المعمري
كتب موظفون رسالة وداع لمسؤولهم (المستقيل) بعد أن أستعار (هو) من يكتب عنه رسالته إليهم؛ ليعلمهم بأنه سيترك منصبه، ومؤسسته بداعي (التقاعد)، ولم يشأ أن يقل لهم بأنها (استقالة)أو(إقالة)، وفي المحصلة نتيجتها واحدة بالنسبة لهم، لكنها غير ذلك بالنسبة له، حيث لم تسعفه عنجهيته الإدارية؛ لأن يبرر استقالته أو إقالته إلا كونها (تقاعدا)، فهو كعادته لا يقدح من رأسه، فربما كان التبرير بإيعاز ممن غرر به، والذين كانوا المصل الأسهل ليظفر (هو)بما لم يحققه طوال حياته الوظيفية من مصالح شخصية ضيقة، وليحقق لهم مصالحهم الشخصية، مستغلين ضعف (شخصيته المهنية)، وقد تشبث بهم حتى آخر لحظات عهده بالمؤسسة، والذين كانوا -على ما يبدو- السبب الرئيس الذي أودى بالمصير الذي أنتهى إليه.
ولم تحمل رسالة وداع المسؤول لموظفيه ما يشعرهم –مجاملا- بندمه، وباعتذاره عن أي تقصير في مؤسسته أو أسفه على شعور موظفيه -ذات يوم- بالتذمر من إدارته، ولم تخرج الرسالة في مضمونها عن ما عرفت عنها نهايات الدراما العربية، والتي تتأزم فيها العقد في منتصف حلقات المسلسل، وتنتهي في الحلقات الأخيرة بالتسامح والعودة إلى نقطة البداية، وحتى تلك لم تحصل، وهي نهايات لم تعد ذات قيمة ومعنى في سناريوهات الحياة المهنية، ولو إن رسالة المسؤول كانت مندفعة من مشاعره الشخصية، وسطرها بقلمه لكان وقعها أكثر عمقا، وأبلغ في التأثير على مشاعر المحبين والمبغضين لمهنيته.
فقد ترك المسؤول(المستقيل) منصبه غير مكترث لما آلت إليه مؤسسته، لم يلتفت منذ يومه الأول وحتى الأخير للكفاءات التي يشد بها أزره لاستثمار إمكانيات المؤسسة البشرية والمادية، ولتنهض برسالتها لخدمة المجتمع كما يجب أن تكون، غادر (المسؤول) المؤسسة وكان يمني النفس أن لا يغادرها لسنوات عجاف أخرى، لكن هيهات .. هيهات أن تتحقق تلك الأمنيات، فإن كان قد ترك منصبه بعد أن جمع منه حطام الدنيا ما جمع، وغابت عن بصيرته، وأعماه الطمع عن حقيقة، إن كل ما جمعه زآل لا محاله، فقد حمل على عاتقه مظالم لا يعلم قدرها وجسامتها إلا (هو)، ولسان حال المظلوم يقول له :
أما والله إنَّ الظُلم شؤمُ = وَلاَ زَالَ المُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ
إِلَى الدَّيَّانِ يَوْمَ الدِّيْنِ نَمْضِي = وعند الله تجتمعُ الخصومُ
ستعلمُ في الحساب إذا التقينا = غَدا عِنْدَ المَلِيكَ مَنِ الغَشُومِ
ستنقطع اللذاذة عن أناس = من الدنيا وتنقطع الهمومُ
لأمرٍ ما تصرّفت الليالي = لأمرٍ ما تحركت النجوم
وقد رد عليه الموظفين مباركين لانتصار مؤسستهم بقرار(الاستقالة)، غير آسفين على قرار لفظ المؤسسة (لمسؤولهم)، والذي ولي إدارتها لسنوات عجاف، ولم يحقق ما يشفع له ليذكر بالخير، ولم يكن أهلا لحمل الأمانة الجسيمة، كما لم يشهد عهد المؤسسة من استقالات وقضايا تترا كما شهدها عهده، ولم تفقد مؤسسة كفاءاتها من قبل كما شهدته في عهده، فترك المؤسسة مقطعة الأوصال، لا تجد بينهم رجلين أو ثلاثة على قلب رجل واحد.
أيها (المستقيل) إن من غرر بك هم أول من يتهكم منك، وينتقص من شخصيتك، وسترى عاجلا و آجلا، ما جنته يداك في عافيتك ومالك وذريتك، وسترى-بأم عينيك- إن من يفسح لك بالمجالس، ومن يتسمر معك ويسمرك في العزب، ستصبح بالنسبة له من الماضي، فها هي لحظاتك الأخيرة تلفظ أنفاسها معلنة أفول نجمك، وبداية مهانتك ممن أسروك في مشاربهم.
فعزاءنا بوطننا العزيز وبسلطانه المفدى والذي أنفق من عمره، وعافيته لنكون في طليعة الأمم والحضارات، ولا عزاء لمن قصر، وتقاعس عن الواجب في خدمة وطنه، وإساء أمانته.
وبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت…