مناظرة الشيخ العلامة الامام نور الدين السالمي
هَذِهِ رِسَالَةُ الْمُنَاظَرَةُ للشَّيْخِ العَلامَةِ الإِمَامِ نُوْرِ الدِّيْنِ أَبِيْ مُحَمَّد عَبْدُ اللهِ بِن حُمَيْد السَّالِمِيِّ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأرضَاْهُ – وَقَفتُ عَلَيْهَا فِيْ مَكتَبَةِ السَّيِّد مُحَمَّد بِن أَحمَد البُوسَعِيْدِي – الْمُستَشَار الخَاصُّ لِجَلالَةِ السُّلطَانِ للشُّؤُونِ التَّارِيْخِيَّة والدِّينِيَّة – فَقُمتُ بِنَقلِهَا كِتَابَةً عَلَىْ الوَرَقِ ثُمَّ طَبْعِهَا وَضَبْطِهَا عَلَى الحَاسُوْبِ .ابتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ – عَزَّ وَجَلَّ – وخِدمَةً للحَضَارَةِ الإِسلامِيَّة وللتُّرَاثِ العُمانِيِّ وَلِمَا لِهَذِهِ الرِّسَالَةِ مِنْ أَهَمِيَّة فِيْ إِيْضَاحِ أَدَبِ الحِوَارِ وَفَنِّ الْمُناظَرَةِ عِندَ عُلَمَاءِ الْمُسلِمِيْنَ عَلَى اختِلافِ مَذَاهِبِهِم وَكَذَلِكَ لِكَونِ الْمُؤَلِّف هُوَ الإِمَامُ نُورُ الدِّيْنُ السَّالِمِيُّ مُجَدِّدُ الدِّيْن وَبَاعِثُ الإِمَامَةِ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأرضَاهُ – هَذَا وَنَسْألُ اللهَ التَّوْفِيْقَ لِصَالِحِ الأَعْمَالِ وَالإِخلاصَ فِيْ القَوْلِ وَالعَمَلِ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيْمِ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ .أَخُوكُمْ الْمُحِبُّ لَكُم : عَبْدُالْمَلِكِ الْمَعوَلي
ِيْبسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ
الحَمْدُ للهِ الَّذِيْ جَعَلَ الْحَقَّ أَبْلَجَاً , وَالبَاْطِلَ لَجْلجَاً , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَىْ مَنْ قِيْلَ لَهُ ( وَجَاْدِلْهُمْ بِاْلَّتِيْ هِيَ أَحْسَنْ ) وَعَلَىْ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَتَاْبِعِيْهِمْ فِيْ كُلِّ مَنْهَجٍ حَسَنٍ , أَمَّاْ بَعْدُ : فَسَلامٌ عَلَىْ شَيْخِنَاْ الفَاْضِلِ , وبَدْرِنَاْ الكَامِلِ , وَاْلِدُنَاْ الوَلِيُّ : صَاْلِحُ بِنْ عَلَيُّ سَلَّمَهُ الله تَعَاْلَىْ , وَأَعْلا شَأنَهُ , وَأَعَزَّ سُلْطَانَهُ , قَدِ امتَثَلَتُ جَمِيْعَ مَاْ أَمَرْتَنِيْ بِهِ , وَالتَزَمْتُ مَاْ أَوْصَيتَنِيْ بِهِ , فَكَاْنَ اجتِمَاعُنَا مَعَ حَمَد بِن رَاشِد بن سَالِم الراسبي فِي بَلَدِ الوَاْفِيْ يَوْمَ 6 مُحَرَّمْ , وقَدْ حَضَرَ هُناْلِكَ نَاسٌ كَثِيْرٌ , قِيْلَ إِنَّهُمْ فَوْقَ 400 مِاْئَةِ رَجُلٍ مِنْ غَاْفِرِي وَهَنَاوِي , فَخَطَبَ فِيْ قَوْمِهِ بِخُطبَةِ لا طَائِلَ تَحْتَهَاْ , وَنَحْنُ مَعَ ذَلِكَ سُكُوْتٌ حَتَّىْ كَمُلَتْ خُطْبَتُهُ .
شُرُوطُ المُنَاظَرَة
فَذَكَرَنَا لهُ : إنَّكَ أَرْسَلتَنَاْ فِيْ كَذَاْ وَكَذَاْ .فَقَالَ : اسْأَلُوْا عَمَّا بَدَا لَكُمْ .فَقُلْنَا لَهُ : إنَّ شُرُوْطَ الْمُنَاْظَرةِ أنْ لا تَصْخَبْ – والصَّخَبُ رَفْعُ الصَّوْتِ – وَأنْ لا تَغْضَبْ , وأَن لا تَتَعصَّبْ , وَأَنْ لا تَحْمَق , وَأَنْ لا تَتَعَجَّلِ الْجَوَابَ قبْلَ فَهْمِ السُّؤاْلِ , وَأَنْ لا تُدَلِّس – والتَّدْلِيسُ هُوَ تستيْرُ الشَّيْءِ , بِحَيْثُ يُوْهِمُ علَىْ السَّاْمِعِ أَنَّ الْمُرَاْدَ غيْرُ ذلِكَ – أَتَلْتَزِمُهَا ؟فَقَاْلَ : نعَمْ .
الاتِّفَاقُ علَى مَنْهَجِ الْمُناظرةِ فَقُلْنَا لَهُ : إذَاً مَاْ مذْهَبُكَ ؟قَاْلَ : الكِتَاْبُ وَالسُّنَّة .فَقُلْنَاْ لَهُ : إنَّ الاسْتِنْبَاطَ مِنَ الكِتَاْبِ وَالسُّنَّةِ يَحْتَاْجُ إِلَىْ عَاْلِمٍ بِكَيْفِيَّةِ الاسْتِدْلالِ , فَهَلْ أَنْتَ كَذَلِكَ ؟فَقَاْلَ : لا أَنْسِبُ إِلَىْ نَفْسِيْ العِلْمَ وَلَكِنْ سَلْ عمَّا بَدَاْ لَكَ – وَكَأَنَّهُ يُشِيْرُ أَنَّهُ بِتَلْكَ الْمَنْزِلَة – ؟فقُلْنَا لهُ : صَرِّحْ بِمَاْ آتَاْكَ الله بِهِ وَلا بَأْس .فأبَىْ عَلَيْنَا إِلا أَنَّ الكِتابَ والسُّنَّةَ مَذْهَبِي ْفَقُلْنَاْ : إِنَّ الرَّسُوْلَ – صَلَّىْ الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَدْ صَرَّحَ أَنَّ الأمَّةَ تَفْتَرِقُ إِلَىْ ثَلاثٍ وَسَبْعِيْنَ فِرْقَةٍ , فَمِنْ أَيِّ فِرْقَةٍ أَنْتَ ؟فَقَاْلَ : مِنَ النَّاجيَةِ .فَقُلْنَا لَهُ : وَمَاْ اسمُ تِلْكَ النَّاْجِيَة الَّتِيْ أَنْتَ مِنْهَاْ ؟ فَأَبَىْ عَلَيْنَاْ إِلا النَّاجِيَة .فَقُلْنَا لَهُ : وَمَنْ أَئِمَّتُكَ الَّذِيْنَ نَقَلُوْا لَكَ السُّنَّةَ ؟فَأَشَارَ إِلَىْ أنَّهُ يَقْبَلُهَاْ مِنَ الصِّحِيْحَيْنِ فَقَطْ , وَأنَّ مَاْ عَدَاْ الصَّحِيْحَيْنِ كَالْحَاْكِمِ وَابنِ حِبَّاْنَ وَالتِّرْمِذِي وَابْنِ مَاْجَه وَالنِّسَاْئِي وَرَزِيْن وَغَيْرُهُم , لا يَقْبَلُ مِنْهُمْ حَدِيْثَاً وَإِنْ صَحَّحُوهُ , مَاْ لَمْ يَعْرِفْ صِحَّتَهُ بِنَفْسِهِ , وَاعتَلَّ فِيْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ يَتَسَاْهَلُوْنَ فِيْ التَّصْحِيْحِ .فَجَاْرَيْنَاهُ علَىْ مَاْ أرَاْدَ , إِظهَارَاً للْحُجَّةِ , وَإِلْزَاْمَاً للبُرْهَاْنِ .
جِدَالٌ حَوْلَ صِفَاْتِ اللهِ فَقُلنَاْ لَهُ : وَمَاْ تَقُوْل فِيْ صِفَاْتِ اللهِ الذَّاتِيَةِ أَهِيَ عَيْنُ الذَّاْتِ أَمْ غَيْرُهَا ؟ فَقَالَ : قَدْ نَهَانَاْ رَبُّنَا عَنِ الْخَوْضِ فِيْ ذَلِكَ بِقَوْلهِ ( لا تَسْأَلُوْا عَنْ أَشْيَاْءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) .قُلْنَا : وَأَيُّ إِسَاْءَةٍ فِيْ مَعْرِفَةِ اللهِ ؟قَاْلَ : هَذَا سُؤَالُ فِرْعَوْن حِيْنَ قَالَ لِمُوسَى ( وَمَاْ رَبُّ الْعَاْلَمِيْن ) فَسَأَلَ بِـ مَاْ التَّفْسِيْرِيَّة .قُلْنَا لَهُ : لَعَلَّكَ تُرِيْدُ الاستِفْهَامِيَّة .فَقَالَ : لا التَّفسِيْرِيَّة .فَقُلْنَا لَهُ : إِنَّ مَاْ لا تَكُوْن تَفْسِيْرِيَّة .فَقَالَ : هَذِهِ تفسِيْرِيَّة لأنَّهَا تُفَسِّرُ مَا بَعْدَهَا .فَخَاطَبْنَاهُ عَلَىْ قَدْرِ عَقْلِهِ .وَقُلْنَا لَهُ : إِنَّ سُؤَالَ فِرْعَوْنَ عَنِ الذَّاتِ وَسُؤَالُنَا عَنِ الصِّفاْتِ .فَقَاْلَ : الصِّفَاتُ كالذَّاْتِ مَنَعَنَاْ رَبُّنَا عَنِ الْخَوْضِ فِيْهَا .فَقُلْنَا لَهُ : بِأَيِّ شَيْءٍ نَعْرِفُ رَبَّنَا إِذَنْ إِنْ لَمْ نَعْرِفْهُ بِصَفَاْتِهِ .فَقَالَ : سُؤَالُكَ هَذَا كَسُؤَالِ أَرْبَد حِيْنَ قَالَ لِمُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : أَمِنْ ذَهَب رَبُّكَ ؟ .فَقُلْنَا لَهُ : إِنَّ سُؤالَ أَرْبَد عَن الذَّاْتِ وَسُؤالَنَا عَن الصَّفَاتِ .فَقَالَ : وَالصِّفَاتُ كالذَّاتِ .فقُلْنَا لَهُ : كَيْفَ يَكُوْنُ ذَلكَ ؟ وَالرَّبُّ يُخبِرُنَا بِهَا وَلَمْ يُخبِرنا عَنِ الذَّاْتِ فَقَالَ مُوْسَى فِيْ جَوَابِ فِرْعَوْن(رَبُّ السَّمَاْوَاْتِ وَالأرْضِ ) وَقَاْلَ [ مُحَمَّدُ ] فِيْ جَوَاْبِ أَرْبَد ( قُلْ هُوَ الله أَحَد ) … إِلَىْ آخِرِ السُّوْرَةِ .فَأَبَىْ عَلَيْنَا إِلا أَنَّ الصِّفَاْتَ كَالذَّاْتِ لا يُسْأَلُ عَنْهَا .فقُلْنَا لَهُ : هَذِهِ نَفْسٌ مُكَابِرَة .فقالَ : لا وَلَكِنَّكُمْ أَثْبَتُّمْ شَيْئَاً عَلَيْكُمْ الدَّلِيْلُ فِيْه .وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ عَرَفَ أَنَّاْ نَقُوْلُ : إِنَّ صِفَاْتَهُ الذَّاتِيَّة عَيْنُ ذَاْتِهِ وَكَأنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ الإثْبَات – هَذَا القَوْلُ مِنَّاْ -.فقُلْنَا لَهُ : الدَّلِيْلُ بِحَمْدِ اللهِ عَلَىْ ذَلِكَ ظَاْهِرٌ وَهُوَ أَنْ لَوْ أنَّ صِفَاتَهُ تَعَاْلَىْ غَيْرُه لَلَزِمَ عَلَيْهِ مَحْذُورَاْن : الأوَّلُ : مُشَارَكَتُهُ فِيْ القِدَمِ .الثَّانِيْ : كَوْنُهُ مُحْتَاْجَاً إِلَىْ غَيْرهِ مِن عِلْمٍ وَقُدرَةٍ إِلَىْ آخِرِهَا .فقَالَ : يَاْ أَخِي هَذِهِ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيطَانَ لا إِلَهَ إِلا الله وَتَاْرَةً يَقُوْلُ لَوْ هَذِهِ امتِنَاعِيَّة .فقُلْنَاْ لَهُ : أَثْبِتِ الدَّلِيْلَ أَوِ انفِهِ .فَقَاْلَ : هَذَاْ لَيْسَ بِدَلِيْل .فَقُلْنَا لَهُ : كَيْفَ لا يَكُوْنُ دَلِيْلا .فقالَ : الدَّلِيْلُ مَاْ كَاْنَ مِنَ الكِتَاْبِ أَوِ السُّنَّةِ هَاْتِ مِنَ الكِتَاْبِ أَوِ السُّنَّةِ .
فقُلْنَا لَهُ : وَمَا تَقُوْل فِيْ العَقْلِ حُجَّةٌ أَمْ لا ؟قَاْلَ : العَقْلُ الصَّحِيْحُ حُجَّةٌ .قُلْنَا لَهُ : وَمَا العَقْلُ الصَّحِيْحُ ؟فقَالَ : مَاْ وَافَقَ الكِتَابَ أَوِ السُّنَّة .فقُلْنَا لَهُ : – مُجَاْرَاْةً علَىْ قَدْرِ عَقْلِهِ – وَهَذَاْ قَدْ وَاْفَقَ الكِتَاْبَ .فقَاْلَ : مَاْ مُوَافَقَتُهُ ؟قُلْنَا لَهُ : قَاْلَ الله تَعَاْلَىْ ( لَيْسَ كَمِثلِهِ شَيْءٌ ) وَلَوْ كَاْنَتْ صِفَاْتُهُ غَيْرُهُ لَلَزِمَ أَنْ يَكُوْنَ مِثَلَهُ فِيْ القِدَمِ شَيْءٌ وَهُوَ صِفَاْتُهُ وَلَكَاْنَ مُشَاْبِهَاً لِغَيْرِهِ فِيْ الاحْتِجَاْجِ .فَقَاْلَ : هَذَاْ شَيْءٌ مِنْ عِنْدِكَ .فَقُلْنَا لَهُ : مِنْ تَفْسِيْرِ الآيَةِ .فقَاْلَ : لا لَمْ يَقُلِ الله كَذَلِكَ إِنَّمَا قَاْلَ : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ ) وَلا تَخُضْ يَاْ أَخِيْ وَلا تَتَكَلَّفْ وَلَمْ يَتَعَبَّدْنَا الله بِمَا فَوْقَ ذَلِكَ وَقَدْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ لَوْ هَذِهِ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَاْن فَدَعْهَا عَنْكَ .فقُلْنَاْ لَهُ : بَلْ تَعَبَّدَنَا الله بِأَنْ نُوَحِّدَهُ وَأَنْ لا نُشَبِّهَهُ بِشَيْءٍ وَلَو قُلْنَا كَمَاْ قُلْتُم لَلَزِمَ التَّشْبِيْهُ .فقَالَ : وَأَيُّ حَاْجَةٍ إِلَىْ هَذَا التَّعَمُّقِ .قُلْنَا لَهُ : قَدْ وَقَفْتَ عَنْهُ .فَقَاْلَ : نَعَمْ وَقْفَ تَأَدُّبٍ لا حَيْرَة .فَقُلْنَا لَهُ : إِنَّهَاْ الْحَيْرَةُ أَوَتَنْتَقِلُ إِلَىْ غَيْرِهَاْ ؟فَقَاْلَ : الرَّأْيُ رَأْيُكَ .
جِدَاْلٌ حَوْلَ الاسْتِوَاْءِ
فَقُلنَا لَهُ : مَاْ تَقُوْل فِيْ الاستِوَاْءِ ؟فقَاْلَ : أَخْبَرَنَا الرَّبُّ تَعَاْلَىْ أَنَّهُ استَوَىْ عَلَىْ العَرْشِ .فَقُلْنَا : وَمَاْ هَذَاْ الاستِوَاْء ؟قَاْلَ : إِنَّ مَا التَّفسِيْرِيَّة هَذِهِ لا يُسْأَلُ عَنِ اللهِ بِهَاْ .فقُلْنَا فِيْ جَوَاْبِهِ كَمَا قُلْنَا لَهُ أوَّلا .فقَاْلَ : الاستِوَاْءُ مَعْلُوْمٌ وَالكَيْفُ مَجْهُوْلٌ لا كَيْفَ للهِ .قُلْنَا لَهُ : إِنْ كَاْنَ مَعْلُوْمَاً فَمَا هُوْ ؟فقَاْلَ : قُلْنَا لَكَ إِنَّ مَاْ هَذِهِ التَّفْسِيْرِيَّة لا يُسْأَلُ بِهَاْ عَنِ اللهِ – وَهُوَ يَرْفَعُ مِنْ ذَلِكَ الصَّوْتِ وَيَضْحَكُ يُدَلِّسُ عَلَىْ النَّاْسِ أَنَّهُ الغَاْلِب – .فقُلنَاْ لَهُ : إِنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ قَدِ اشتَرَطْتَ عَلَىْ نَفْسِكَ عَدَمُهُ فَجَادِلْ بِبَصَرْ .قَاْلَ : كُنْ سَاْمِحَاً فَإِنَّهَا جِبِلَّةٌ فَمَا تَقُوْلُونَ أَنْتُم فِيْ الاستِوَاْءِ ؟فَقُلنَا لَهُ : بِمَعْنَىْ استَوْلَىْ .فقَاْلَ : وَمِن أَيْنَ هَذِهِ اللامُ الزَّائِدَة ؟ أَرَسْمُهَاْ فِيْ الْمُصْحَفِ العُثْمَانِيِّ وَغَيْرُهُ ؟قُلْنَا لَهُ : إِنَّ استَوْىْ لَهَا فِيْ اللُّغَةِ مَعْنَيَاْن : أَحَدُهُمَا بِمَعْنَىْ استَقَرَّ وَالثَّاْنِيْ بِمَعْنَىْ استَوْلَىْ فَانْتَفَىْ الأوَّل ُلانْتِفَاْءِ التَّشْبِيْه عَنْهُ تَعَاْلَىْ وَبَقِيَ الثَّاْنِيْ لأنَّهُ يَلِيْقُ بِجَلالِهِ .فَقَاْلَ : إِيْه إِيْه زِيَاْدَةُ البِنَاْءِ تَدُلُّ عَلَىْ زِيَاْدَةِ الْمَعْنَىْ عِنْدَ أهْلِ الْمَعَانِيْ والبَيَاْنِ .فَقُلْنَا لَهُ : تِلْكَ القَاْعِدَة عِنْدَ أَهْلِ الصَّرْفِ لا عِنْدَ أَهْلِ المعَاْنِيْ وَالبَيَاْنِ وَأَيْضَاً فَجَرَيَاْنُ تِلْكَ القَاْعِدَةِ أَفِيْ مِثْلِ هَذَا الموْضِع ؟فَقَالَ : نَعَمْ .فَقُلْنَا لَهُ : – مُجَاْرَاةً عَلَىْ قَدْرِ عَقْلِهِ – أَوَقَدْ فُسِّرَ القُرْآنُ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ ؟فَقَالَ : نَعَمْ فِيْ مَوَاْضِعِ التَّفْسِيْرِ .فَقُلْنَا لَهُ : وَمَا مَوَاضِعُهُ ؟قَالَ : الْمُحْكَم .فَقُلنا لَهُ : – مُجَاْرَاةً – فُسِّرَ بِلَفْظٍ زَاْئِدٍ عَلَيه فِيْ الْحُرُوْفِ أَمْ بِأَقَلَّ مِنْهُ أَمْ بِمُسَاوِيْهِ ؟فقَاْلَ : دَعْ هَذَا فَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ .فقُلْنَا لَهُ : مَاْ الفَرْقُ بيْنَهُمَا ؟فَوَقَفَ ثُمَّ قَاْلَ : لَوْ كَاْنَ كَمَا تَقُوْلُونَ إِنَّ استَوْىَ بِمَعْنَىْ استَوْلَىْ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَسلُوْبَ الْمُلْكِ أَلا تَرَىْ أَنَّكَ تَقُوْل استَوْلَىْ فُلانٌ عَلَىْ مُلْكِ أَبِيْهِ وَلا شَكَّ أَنْ الْمُلْكَ كَاْنَ لأبِيْهِ .فَانْظُر كَيْفَ احْتَاْجَ لِـ لَوْ الَّتِيْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَاْنِ فِيْ زَعْمِهِ .قُلْنَاْ فِيْ جَوَاْبِهِ : إِنَّ سَلْبَ الْمُلْكِ فِيْ كَلامِكَ هَذَاْ لَمْ يُفْهَمْ مِنْ لَفْظَةِ استَوْلَىْ بَلْ مِنْ قَوْلِكَ مِلْكُ أبِيْهِ وَأَيْضَاً فَالْمَقَاْمُ يَقْتَضِيْهِ وَإِخْبَاْرُ الرَّبِّ بِأَنَّهُ استَوَىْ عَلَىْ العَرْشِ أَيْ استَوْلَىْ عَلَيْهِ لا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ غَيْرَهُ كَاْنَ مُسْتَوْلِيَاً عَلَيْهِ وَإِنْ فُهِمَ مِنْ الصِّفَةِ ذَلِكَ فَمَفْهُوْمُ الصِّفَةِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ إِذَاْ لَمْ يُصَاْدِم قَطْعِيَّاً فَكَيْفَ إِذَا صَادَمَ قَطْعِيَّاً ؟ فقَاْلَ :ومَاْ يَمْنَعُكَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاْلآياْتِ وَتَمُرُّوْنَهَا كَمَاْ جَاْءَت مِنْ غَيْرِ تَفْسِيْر؟ فمَاْ الدَّاْعِيْ إِلَىْ هَذَا التَّكْلِيْف؟قُلْنَا : أَمَّا الإيْمَاْنُ بِهَا فنُؤْمِنُ بِهَاْ وَنَتْلُوهَا كَذَلِكَ وَلَكِنْ قَد أَوْجَب علَيْنَاْ رَبُّنَاْ تَنْزِيْهَهُ فَلَزِمَنَا تَفْسِيْرُهَا بِمَا يَلِيْقُ بِحَاْلِهِ .فَقَاْلَ : أَيُّ دَلِيْلٍ مِنَ الكِتَاْبِ أَوِ السُّنَّة لِهَذَا الْمَقَاْل فَإِنَّهُ يَكْفِيْكَ أنْ تُؤْمِنَ بِالأشْيَاْءِ عَلَىْ ظَوَاْهِرِهَا ؟قُلْنَا لَهُ : الدَّلِيْلُ عَلَىْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَاْلَىْ : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (فَقَاْلَ : أَتَحْظِفُ بِهَذِهِ الآيَة جَمِيْعَ الكِتَاْبِ وَالسُّنَّةِ ؟ هَاْتِ دَلِيْلا غَيْرَهَاْ .قُلْنَا : رُدَّهَا قَبْلُ حَتَّىْ نَنْتَقِلَ إِلَىْ غَيْرِهَاْ .
جِدَاْلٌ حَوْلَ التَّشْبِيْهِ
فَقَاْلَ : ظَوَاْهِرُ الكِتَاْبِ وَظَوَاْهِرُ السُّنَّةِ تَدُلُّ عَلَىْ أَنَّ للهِ اسْتِوَاْءٌ وَعَيْنَاً وَيَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ وَسَاْقَيْنِ وَأَنَّهُ يَنْزِلُ إِلَىْ سَمَاْءِ الدُّنْيَا وَيَصْعَدُ .وَاستَدَلَّ عَلَىْ ثُبُوْتِ العَيْنِ وَاليَدِ وَالرِّجْلِ بِمَفْهُوْمِ الْمُخَاْلَفَةِ مِنْ ذَمِّهِ تَعَاْلَىْ لآلِهَةِ الْمُشْرِكِيْنَ ( أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُوْنَ بِهَاْ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُوْنَ بِهَاْ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُوْنَ بِهَاْ أَمْ لَهُمْ آذَاْنٌ يَسْمَعُوْنَ بِهَاْ ) وَوَجْهُ اسْتِدْلالِهِ أَنَّهُ لَمْ يَذُم الرَّبُّ تَعَاْلَىْ آلِهَتَهُمْ بِعَدَمِ وُجُوْدِ ذَلِكَ إِلا هُوَ فِيْهِ مَوْجُوْدٌ فَانْظُرُوْا يَاْ أُوْلِيْ الألْبَاْبِ إِلَىْ هَذَاْ العَجَبِ العُجَاْبِ وَاسْتَدَلَّ عَلَىْ الصُّعُوْدِ وَالنُّزُوْلِ بِحَدِيْثِ الصِّحِيْحَيْنِ فِيْ زَعْمِهِ .قُلْنَا لَهُ : وَكَذَلِكَ فِيْ الْحَدِيْثِ أَنَّهُ يَتَقَرَّبُ ذِرَاْعَاً وَبَاْعَاً وَيُهَرْوِلُ أَهُوَ عَلَىْ حَقِيْقَتِهِ ؟فقَاْلَ : نَعَمْ .فَقُلْنَا : قَدْ شَبَّهْتُم رَبَّكُمْ بِمَخْلُوْقٍ .فَقَاْلَ : لَيْسَ هَذَاْ بِتَشْبِيْه إِنَّمَاْ التَّشْبِيْهُ لَوْ قُلْنَا أَنَّ لَهُ يَدَاً وَرِجْلا كَأَيْدِيْنَا وَأَرْجُلِنَا إِلَىْ آخِرِهَا .فَقُلنَاْ : هَذَا مَحْضُ التِّشْبِيْه حَيْثُ أَثْبَتُّمْ فِيْهِ مَاْ كَاْنَ فِيْ الْمَخْلُوقَاْتِ .قَاْلَ : أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ وَأَثْبَتَ لَهُ سَمْعَاً وَبَصَرَاً حَقِيْقَةً أَيْضَاً لَكِنَّا لا نَقُوْلُ كَسَمْعِنَا وَبَصَرِنَا فَلَيْسَ فِيْ إِثْبَاْتِ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ تَشْبِيْهٌ .قُلْنَا : أَمَّاْ الأرْجُل الْمُمْشَىْ بِهَاْ وَالآذَاْن الْمَسْمُوْعُ بِهَاْ وَالأعْيُنُ الْمَبْصُوْرُ بِهَا وَالأيْدِيْ الْمَبْطُوْشُ بِهَاْ لَمْ يُثْبِتْهَا الرَّبُّ تَعَاْلَىْ لِنَفْسِهِ وَاسْتِدْلالُكَ عَلَىْ ثُبُوْتِهَاْ بِمَفْهُوْمِ الْمُخَاْلَفَةِ لا يَتِمُّ فَإِنَّ الرَّبَّ تَعَاْلَىْ ذَمَّ آلِهَةَ الْمُشْرِكِيْنَ بِذَلِكَ لا لأنَّهُ فِيْهِ ذَلِكَ لَكِن لِيُبَيِّنْ للمُشْرِكِيْنَ غَلَطَهُمْ أَنَّهُمْ يَعْبُدُوْنَ شَيْئَاً لا يَمْلِكُ لأنْفُسِهِمْ نَفْعَاً وَلا ضَرَّاً .قَالَ : لا بَلْ فِيْهَا دَلِيْلٌ عَلَىْ الْمَطْلُوْبِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَاْلَىْ : ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) فِيْهَا دَلِيْلٌ عَلَىْ أَنَّ لَهُ سَمْعَاً وَبَصَرَاً وَكَلامَاً .فَقُلْتُ : مَاْ أَوْقَعَكَ فِيْ هَذَا التَّخْلِيْطِ وَالتَّعَسُّفِ فِيْ الوَرَطَاْتِ ؟ إِنَّ هَذِهِ الآيَة نَزَلَتْ فِيْ الْمُنَافِقِيْنَ فَلا تَدُل عَلَىْ مَاْ ذَكَرْتَ .قَاْل : بَلْ تَدُل وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَاْلَىْ : ( بَلْ يَدَاْهُ مَبْسُوْطَتَاْن ) ( وَتَجْرِيْ بِأَعْيُنِنَا ) وَمَاْ أَشْبَهَهُمَا مِنْ الآيَاْتِ دَلِيْلٌ عَلَىْ مَاْ قُلْنَا .قُلْنَا : أَمَّاْ هَذِهِ وَمَاْ أَشْبَهَهَاْ فَمُتَشَاْبِه وَفِيْ قَوْلِهِ تَعَاْلَىْ : ( مِنْهُ آيَاْتٌ مُحْكَمَاْتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَاْبِ وَأُخَرُ مُتَشَاْبِهَاْتٌ ) دَلِيْلٌ عَلَىْ رَدِّ الْمُتَشَابَهِ إِلَىْ الْمُحْكَمِ .فَقَالَ : لَيْسَ هَذَاْ بِدَلِيْل عَلَىْ الْمَطْلُوْبِ يَاْ أَخِيْ اجْعَل الأدِلَّةَ فِيْ مَوَاْضِعِهَا .قُلْنَا لَهُ : كَيْفَ لا يَدُلُّ عَلَىْ الْمَطلُوْبِ ؟ وَالرَّبُّ تَعَاْلَى يَقُولُ : ( هُنَّ أُمُّ الكِتَاْبِ ) وَمَاْ مَعْنَىْ الأمُّ إِلا الأصْل .فَقَاْلَ : لَيْسَ فِيْهِ دَلِيْلٌ عَلَىْ الْمَطلُوْبِ وَأَيْضَاً فَقَدْ قَاْلَ الله تَعَاْلَىْ : ( وَأَمَّاْ الَّذِيْنَ فِيْ قُلُوْبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُوْنَ مَاْ تَشَاْبَهَ مِنْهُ )قُلْنَا : هَذَاْ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ الْمُتَّبِعُوْنَ لِلمُتَشَاْبِهِ وَأَمَّا نَحْنُ فَنَرُدُّ الْمُتَشَاْبِهَ إِلَىْ الْمُحْكَمِ كَمَاْ ذَكَرَ رَبُّنَاْ فِيْ تِلْكَ الآيَةِ .فَقَاْلَ : لَيْس فِيْ تِلْكَ الآيَة دَلِيْلٌ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا الدَّلِيْلُ فِيْ قَوْلِهِ تَعَاْلَىْ : ( وَلَوْ رَدُّوْهُ إِلَىْ الرَّسُوْلِ وَإِلَىْ أُوْلِيْ الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِيْنَ يَسْتَنْبِطُوْنَهُ مِنْهُمْ(.
جِدَاْلٌ حَوْلَ خَلْقِ القُرْآن
ِ ثُمَّ قَاْلَ : وَأَنْتَ قَدْ بَلَغَنَا عَنْكَ أَنَّكَ تَقُوْل بِخَلْقِ القُرْآنِ ؟قُلْتُ لَهُ : نَعَمْ .فَقَاْلَ : وَمَاْ حَمَلَكَ يَاْ أَخِيْ عَلَىْ هَذَاْ وَهَذَاْ كَلامُ الله مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُوْدُ .فَقُلْنَا : لا نُنْكِر أَنَّهُ كَلامُ اللهِ وَلَكِنَّاْ نَقُوْل إِنَّ الكَلامَ نَوْعَاْن : ذَاْتِيٌّ وَفِعْلِيٌّ أَفَتُقِرُّ بِذَلِكَ ؟فَقَاْلَ : نَعَمْ .فَقُلْنَا : إِنَّ القُرْآنَ مِنَ الكَلامِ الفِعْلِيِّ وَهُوَ مَخْلُوْقٌ .فَقَاْلَ : وَالله أَيْضَاً شَيْءٌ أَفَيَكُوْنُ مَخْلُوْقَاً ؟قُلْنَا لَهُ : إِنَّ العَقْلَ أَخْرَجَ أَنْ يَكُوْنَ الرَّبُّ مَخْلُوْقَاً .فَقَاْلَ : وَكَذَلِكَ القُرْآن أَيْضَاً خَرَجَ عَنِ الدُّخُوْلِ فِيْ الْمَخْلُوْقَاْتِ .فَقُلْنَا : هَاْتِ الدَّلِيْلَ عَلَى خُرُوْجِهِ .فَلَمْ يَسْتطِعْ إِلا أَنَّهُ كَلامُ الله وَهُوَ يَقُوْلُ لا تُسَمِّ القُرْآنَ بِاسْمٍ مِنْ عِنْدِكَ أَفَجَهِلَ النَّبِيُّ – صَلَّىْ الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَالصَّحَاْبَةُ هَذَاْ الاسْم أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ .قُلْنَا لَهُ : لَمْ يَخْطُر بِبَاْلِ أَحَدٍ فِيْ زَمَاْنِ النُّبُوَّةِ غَيْرُ اللهِ قَدِيْمٌ وَأَيْضَاً فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ – صَلَّىْ الله عَلَيْهِ وَسَلَّم – فِيْ بَعْضِ أَدْعِيَتِهِ ( يَاْ رَبَّ القُرْآنِ (فَقَاْلَ : هَذَاْ كَذِبٌ عَلَىْ رَسُوْلِ الله – صَلَّىْ الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – .قُلْنَا لَهُ : إِنَّ الرَّبَّ تَعَاْلَىْ قَدْ وَصَفَ القُرْآنَ بِأَنَّهُ مُحْدَثٌ فَقَالَ : ( وَمَاْ يَأْتِيْهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَاْنُوْا عَنْهُ مُعْرِضِيْنَ ) ( وَمَاْ يَأْتِيْهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا استَمَعُوْهُ وَهُمْ يَلْعَبُوْن(فَقَاْلَ : مَعْنَى إِحْدَاْثِهِ إِنْزَاْلُهُ عَلَىْ قَدْرِ الْحَاْجَةِ .فَقُلْنَا : مَعَ كَوْنِهِ مُنْزَلا لا يُنَاْفِيْ حَقِيْقَةَ كَوْنِهِ مُحْدَثَاً بِمَعْنَىْ مَخْلُوْق .فَأَمَرَ بِكِتَاْبٍ فِيْهِ أَنَّ القُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَقَرأَ عَلَيْنَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ بُرْهَانٌ إِلا قَالَ فُلانٌ وَقَالَ فُلان فَأَمْهَلْنَاهُ حَتَّى قَضَى مَآَرِبَهُ فِيهِ ثُمَّ رَجعنا إِلَيه بالبُرهانِ فَاحْتَارَ هُنَالكَ وَقَالَ ( كَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمَاً ) مَا معنى هَذَا التَّكْلِيم الشَّجَرةُ تتكلم ؟! (وما كان َ لِبَشرٍ أنْ يُكلمهُ الله إلا وَحْياً أوْ مِن وَراءِ حِجاب (فَقُلْنَا : خَلَقَ الله صَوْتَاً فِيْمَا شَاْءَ أَسْمَعَهُ مُوْسَىْ وَمَنْ شَاْءَ .فَقَاْل : لا إِلَهَ إِلا الله لا تَقُلْ – يَاْ أَخِيْ – هَكَذَا .قُلْنَا : وَلوْ لَمْ نَقُلْ كَذَلِكَ لَلَزِمَ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ تَعَاْلَىْ صَوْتٌ .فَقَاْلَ : نَعَمْ إِنَّ لَهُ صَوْتَاً أَمَا قَاْلَ : ( وَنَاْدَاْهُمَا رَبُّهُمَاْ ) وَمَا النِّدَاْءُ عِنْدَ النُّحَاْةِ إِلا الصَّوْتُ الرَّفِيْع .فَقُلْنَا : إِذَاً إِنَّهُ كَعِجْلِ بَنِيْ إِسْرَاْئِيْل .فَقَاْلَ : لا إِلَهَ إِلا الله أَسْتَغْفِرُ الله لا تَخُضْ – يَاْ أَخِيْ – فِيْ مِثْلِ هَذَا .فقُلْنَا لَهُ : أَوَقَدْ وَقَفْتَ ؟فقَاْلَ : نَعَمْ .وَالكُلُّ يَسْمَع .قُلْنَا : أَنَنْتَقِلُ إِلَىْ غَيْرِهَاْ ؟فَقَاْلَ : إِنْ شِئْتَ .
جِدَاْلٌ حَوْلَ الرُّؤيَة
ِفَقُلْنَا لَهُ : وَمَاْ تَقُوْل فِيْ الرُّؤيَةِ أَتَرَوْنَ رَبَّكُم ؟فَقَالَ : نَعَمْ فِيْ الآخِرَةِ لِقَوْلِهِ – صَلَّىْ الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ( سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ … ) الْحَدِيْث وَقَوْلُهُ تَعَاْلَىْ : ( وُجُوْهٌ يَوْمَئِذٍ نَاْضِرَةٌ إِلَىْ رَبِّهَاْ نَاْظِرَةٌ ( فَالأوْلَىْ بِالضَّاْدِ والثَّاْنِيَة بِالظَّاْءِ فَاْفهَمْ .قُلنَا لَهُ : وَمَاْ مَعْنَىْ قَوْلُهُ تَعَالَىْ : ( لا تُدْرِكُهُ الأبْصَاْرُ ( ؟فقَاْلَ : الإدْرَاْكُ غَيْرُ الرُّؤيَةِ أَمَاْ تَرَىْ قَوْلَهُ تَعَاْلَى : ( فَلَمَّا تَرَاْءَىْ الْجَمْعَاْن قَاْلَ أَصْحَاْبُ مُوْسَىْ إِنَّاْ لَمُدْرَكُوْنَ ) وَلَو كَاْنَ شَيْئَاً وَاْحِدَاً لَمَاْ قَالُوْا كَذَلِكَ .قُلْنَا : الإدْرَاْكُ فِيْ الآيَتَيْنِ لَيْسَ بِمَعْنَىْ وَاْحِدٍ فَإِنَّ الإدْرَاكَ فِيْ آيَةِ الأنْعَامِ مُطْلَقُ الرُّؤيَةِ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُوْنَ كذَلِكَ فَجَاْرَيْنَاهُ عَلَىْ قَدْرِ عَقْلِهِ . وَقُلْنَا لَهُ : إِنَّ الرُّؤيَةَ قَدْ عَلَّقَهَا الرَّبُّ بِمُسْتَحِيْل فِيْ قَوْلِهِ ( فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَاْنَهُ فَسَوْفَ تَرَاْنِيْ ) وَاستِقْرَارُ الْجَبَلِ مُسْتَحِيْلٌ فِيْ عِلْمِ الله وَماْ عُلِّقَ بِالْمُسْتَحِيْلِ فَهُوَ مُسْتَحِيْلٌ فالرُّؤيَةُ مُسْتَحِيْلَة فظَنَّ أَنَّا استَدْلَلْنَا بِقَوْلِهِ تَعَاْلَىْ : ( لَنْ تَرَاْنِيْ ) وَلَمْ يَفْهَم الدَّلِيْلَ الذِيْ ذَكَرْنَاْهُ .فقَاْلَ فِيْ جَوابِهِ : إِنَّ ( لَنْ ) هَذِهِ مَاْ مَعْنَاْهَا ؟قُلْنَا لَهُ : إِنَّ الاستِدْلالَ بِغَيْرِهَا لا بِهَا .فَقَاْلَ : مَاْ مَعْنَاهَا ؟قُلْنَا لَهُ : مَعْنَاهَا النَّفْي .قَاْلَ : وَمَاْ غَيْرُهَا مِنْ أَدَوَاْتِ النَّفْي .قُلْنَا لَهُ : لا حَاْجَةَ إِلَىْ غَيْرِهَا سَأَلْتَ عَنْهَا فَأَجَبْنَاْكَ .فقَاْلَ : أَنْتَ تَقُوْل إِنَّكَ نَحَوِيٌّ فَقَد غَلَطْتَ فِيْ النَّحْوِ .فَقَاْمَ وَعَدَّ مِن أَدَوَاْتِ النَّفْيِ ( لَمْ ) وَ ( لا ) .قَاْلَ : ( لَمْ ) لِنَفْيِ الْمَاْضِي وَ ( لا ) لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ وَ ( لَنْ ) لِنَفْيِ الْحَاْلِ فَافْهَم فَقَدْ نَفَاهَا الله فِيْ الدُّنْيَا لا فِيْ الآخِرَةِ .فَقَاْلَ أَخُوْنَا سُلْطَانُ : إِذَاً أَنْتَ سِيْبَوَيْه .وَنَحْنُ نُطَالِبُهُ بِالدَّلِيْلِ الذِيْ ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ يَعْدِلُ عَنَّا .وَيقُوْلُ : وَأَيُّ لَذَّةٍ فِيْ الْجَنَّةِ إِلا رُؤيَتُهُ تَعَاْلَىْ .فَقُلنَاْ : أَتَرَونَهُ تَلَذُّذَاً ؟فقَاْلَ : نَعَمْ .فَقَاْلَ أَخُونَا الرَّاشِدِيُّ : فَمَنْ أَحْسَنُ هُوْ أَمِ الْحُوْر ؟فَحَاْرَ وَوَقَفَ وَضَجَّ أَصْحَاْبُهُ بِالاسْتِغْفَارِ وَانْقَطَعَ هُنَاْلِكَ الْمَجْلِسُ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يَحْصُل مِنْهُمْ حَاصِلٌ وَلَمْ يَرْجِعُوا إِلَىْ طَاْئِلٍ فَمَتَىْ قُلْنَا لَهُمْ : وَقَفْتُمْ حَيْرَةً ؟قَاْلُوْا : وَقَفْنَا تَأَدُّبَاً .وَمَتَىْ أَلْزَمْنَاهُمْ بِالدَّلِيْلِ قَالُوْا : لَيْسَ هَذَا بِدَلِيْلٍ .وَمَتَىْ مَاْ قُلْنَا : اخرُجُوْا عَنْهُ بِوَجْهٍ يُعْرَفُ .قَالُوا : لَيْسَ بِدَلِيْلٍ .وَغَاْيَةُ مَاْ عِنْدَهُم التَّدْلِيْس فِيْ خِطَاْبِهِم وَقُصَاْرَىْ أَمْرِهِم التَّلْبِيْس علَىْ أَصْحَاْبِهِمْ كَمَا رَأَيْتَ مِنْ مُكَاْبَرَةِ عُقُوْلِهِم فِيْ جَمِيْعِ ذَلِكَ فَمَا لِهَؤُلاءِ القَوْمِ لا يَكَاْدُونَ يَفْقَهُوْنَ حَدِيْثَاً .
خِتَاْمُ المُنَاْظَرَةِ
ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا فِيْ مَجْلِسٍ آخَرٍ وَقَاْلُوْا لَنَا : مَاْ تَقُوْلُوْن فِيْ صَلاةِ الْجُمْعَةِ أَهِيَ فَرْضٌ أَمْ لا ؟ أَقِر بِهَذَا أَوْ أَنْكِر .فقُلْنَا لَهُمْ : أَقْرَرْنَا بِأَنَّهَا فَرْضٌ وَلَكِنْ اختَلَفَ العُلَمَاءُ مِنَّاْ وَمِنْكُم هَلْ هِيَ فَرْضُ عَيْنٍ أَمْ فَرْضٌ عَلَىْ الكِفَايَةِ ؟ وَهَلْ مِنْ شَرْطِهَا الْمِصْرُ أَمْ لا ؟ وَهَلْ مِنْ شَرْطِهَا الإمَاْمُ الأعْظَمُ أَمْ لا ؟وَهَذِهِ كُتُبُكُم نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ .فَقَالُوْا : لا نَقْبَلُ إِلا مَاْ كَاْنَ فِيْهِ نَصُّ الكِتَاْبِ أَوِ السُّنَّةِ .فقُلْنَا لَهُمْ : إِنَّ عُمَرَ بِن الْخَطَّاْب – رَضِيَ الله عَنْهُ – قَدْ مَصَّرَ أَمْصَاْرَ الْجُمْعَةِ وَجَعَلَهَاْ سَبْعَةَ وَلَمْ يُنْكِر عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَاْبَةِ وقَاْلَ – صَلَّى الله علَيْهِ وَسَلَّمَ – : ( لا تَجْتَمِعُ أُمَّتِيْ علَىْ ضَلالٍ) فقَاْلَ : عَلَىْ تَسْلِيْمِ أَنَّهُ إِجْمَاْعٌ فَهُوَ إِجْمَاْعٌ سُكُوْتِيٌّ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ .قُلْنَا لَهُ : هُوَ حُجَّةٌ أَيَسَعُ الصَّحَاْبَةُ أَنْ يَسْكُتُوْا عَمَّا لا يَجُوْز لِعُمَر أَنْ يَقُوْلَ بِهِ ؟فَأَنْكَرَ الإجْمَاْعَ وَخَطَّأَ مَنْ عَمِلَ بِهِ .فَقُلْنَا لَهُ : حَسْبُكَ
.
ثُمَّ سَأَلْنَاهُ عَنِ الْخُلُوْدِ فَصَفَحَ عَنْهُ .فَقَاْلَ : لا أُجِيْب حَتَّىْ تَأْتُوْنِيْ بِحُجَّةٍ فِيْ الْجُمْعَةِ .ثُمَّ قَاْلُوْا لَنَا : مَاْ تَقُوْلُ فِيْ آمِيْن ؟قُلنَاْ لَهُمْ : إِنَّ الْخِلافَ فِيْهَاْ مِنْ بَاْبِ الرَّأْيِ فَلا يُكَفَّر مَنْ قَاْلَهَا وَلا مَنْ تَرَكَهَا .فقَاْلَ : نَعَمْ .فَلَمَّا سَمِعُوا مِنَّاْ ذَلِكَ سُرُّوْا سُرُوْرَاً عَظِيْمَاً وَخَرَجُوْا مِنْ عِنْدَنَا وَهُمْ يَقُوْلُوْنَ : إِنَّ عَبْدَ اللهِ وَاْفَقَنَاْ .وَتَاللهِ إِنِّيْ لَمْ أَجِدْ أَبْلَدَ مِنْ هَؤُلاءِ القَوْمِ وَمَاْ أَشْبَهَهُم بِأَهْلِ حِمْصٍ بَلْ حَاْشَاْ هَبْنَقَة وَبَاقِلا عَنْهُم فَقَد جَعَلُوْا مَاْ كَاْنَ علَيْهِم لَهُمْ ( وَقاْلَ الذِيْنَ كَفَرُوْا لا تَسْمَعُوْا لِهَذَاْ القُرْآنِ وَالغَوْا فيْهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُوْنَ) .
وَقَدْ كَتَبْتُ لَكَ غَاْلِبَ مَاْ حَفِظتُهُ وَتَرَكْتُ كَثِيْرَاً فَاْكتَفِ بِمَا رَأَيْتَ إِنَّاْ لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاْجِعُوْنَ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِالله العَلَيِّ العَظِيْم .مِنَ الفَقِيْرِ إِلَىْ اللهِ تَعَاْلَىْ وَلَدُكَ عَبْدُ الله بِنْ حُمَيْد السَّاْلِمِي 8 الْمُحَرَّم سنة 1311 هـ
هَذَاْ وَقَدْ كَاْنَ أَخُونَا سَعِيْد بِن حَمَد الرَّاشِدِيِّ حَاْضِرَاً ذَلِكَ الْمَجلِسْ الذِيْ جَرَتْ فِيْهِ تِلْكَ الْمُنَاظَرَة .
تَمَّت الرِّسَالَةُ وَهِيَ مِنْ تَألِيْفِ الإِمَامِ نُور الدِّيْنِ السَّالِمِيِّ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأرْضَاهُ – وَعَسَىْ أَنْ نُذَيِّلَهَا بِمَا كَتَبَهُ الشَّيْخُ العَلامَةُ سَعِيْد بِنْ حَمَد الرَّاشِدِيِّ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىْ – فِيْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللهُ وَصَلَّىْ اللهُ وَسَلَّم عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد وعلَىْ آلِهِ وصَحبِهِ أَجمَعِيْن وَيَرحَمُ اللهُ فَتَىً دَعَا لِيْ مِنْ قَلبِهِ فِيْ ظُلَمِ اللَّيَالِيْ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِالله العَلَيِّ العَظِيْم .