الأرقام من (0 – 9)
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
تظل الأرقام؛ رغم قسوتها أحياناً؛ لغة محببة إلى النفس، وتظلّ المباهاة بها نوعاً من الوجاهة، ويبقى حملها عبر أيّ وسيلةٍ كانت نوعاً من الشعور بالأمان.
الأرقام لغة واسعة وعميقة بلا منازع، ولا ينازع فيها إلا من خلا من أحدها، على الرغم من كثرتها من (0 – 9) فهي قابلة للتكاثر مع إضافة نفس الأرقام من جديد مقابل الرقم الأصلي، وتزداد أهميةً وحجماً كلما طعّمناها بالرقم صفر (0) وهو الرقم الفاصل بين موجب هذه الأرقام وسالبها، ولكن في كِلا الحالتين في الموجب أو السالب، تظلّ الأرقام تحمل دلالاتٍ كثيرة، لا يمكن إنكارها، ولا يمكن تجاوزها كذلك، فهل هناك منّا من تغريه الأرقام فيعمل لأجلها فقط؟ وهل هناك منّا من يضع سقفاً محدداً للأرقام لأيّ موضوع يعمل فيه؟ وهل هناك من يشعر أن الأرقام التي يعنيها وتعنيه تشكّل له أهمية إلى حدّ التضحية بأقرب الناس إليه؟ والسؤال المهم أيضاً: هل الأرقام حالة تجريدية بلا عواطف وبلا مشاعر؟
كل الإجابات المتوقعة على الأسئلة المطروحة؛ ستكون نسبية، لأن فهم الأرقام ذاتها مسألة نسبية، لن يتفق اثنان على معنىً واحد، فالذي يرى في أرقام السيارات – على سبيل المثال – أنها أمر مهمّ للغاية، ويعمل على وضع رقم مميز لسيارته، ولو كلفه ذلك مبلغاً كبيراً من المال؛ مع أن المال الذي يدفعه، هو ذاته رقماً لن يكون يسيراً، فبعض الأرقام، كما أسمع، تصل قيمها إلى عشرات الآلاف من الريالات العمانية، فهو يعنيه هذا الجانب أكثر من غيره؛ الذي لا يكترث بذلك، وما ينطبق على أرقام السيارات، ينطبق كذلك على أرقام الهواتف النقالة، ولو أتيحت فرصة للناس لأنْ تكون أرقام جوازاتهم وبطاقاتهم الشخصية، بذات التميّز الموجود في السيارات والهواتف النقالة، فما ترددوا عن ذلك.
تؤرخ الأرقام للأحداث في الأمكنة، كما تؤرخ للشخصيات البارزة في مجالات الحياة المختلفة، فالسنوات هي عبارة عن أرقام، وهذه السنوات تتغذى للبقاء على أهميتها من خلال هذه الأرقام، وهو ما ينطبق كذلك على الأمكنة والشخصيات، فتاريخ أفعالها كلّ ذلك تؤرخه الأرقام، ومن هنا يأتي الحرص على تسجيل تاريخ الولادة، وتاريخ الوفاة، وتاريخ كل حدثٍ جسيم أيضاً، كلّ ذلك ليبقى الرقم “الشهر/ العام” يحمل أهمية من أُرّخ لأجله في اليوم كذا، وفي الشهر كذا، وفي العام كذا، وهكذا تستمر الأرقام في الحفاظ على التراث والتاريخ والبقاء.
يتفاخر أصحاب الأموال بمستوى الرقم الـ “مليوني” التي تضمه أرصدتهم المالية، وحتى لو كان الرقم أصغر من ذلك، يبقى الشعور ذاته عند صاحبه، فهو في النهاية يملك مالاً يتيح له الفرص الكثيرة لأن يسبح في أيّ تيارٍ يريد، وتوظيف هذا الرقم “مليوني” في أيّ مشروع يريده، حيث لا يقف حاجز “الحاجة” حجر عثرة نحو تحقيق الحُلم، وذات الشعور يكون عند الإنسان الفقير عندما يملك الرقم الـ “عشري” أو الرقم الـ “مائة” لأن ذلك الرقم يتيح له فرصة الخيارات؛ وإن كانت محدودةً لينتقي ما يريد من معروضات الحياة، فالأرقام تمارس غواياتها نحو مغازلة الأشياء حتى لو كانت صغيرة، والناس عموماً لا تقلقهم القناعة، خاصة عندما يتذكرون مقولة: “القناعة كنزٌ لا يفنى”.
تأتي الخلاصة من قصة الأرقام هذه كلها، هي مدى قدرة الناس على توظيفها التوظيف الذي لا يسبب لهم حالةً من الارتباك فتقضّ مضاجعهم، لأن خسارة أي رقم متحقق عند أيّ منّا، من شأنه أن يقلب ميزان حياتنا رأساً على عقب، ومن هنا قد تسبب الأرقام في كثيرٍ من هذه المواقف الارتباك، الحسرة، الندم، مع أنه بتفكيرٍ بسيطٍ يمكن إرجاع هذا الرقم الذي غادرنا، بقسوة المغادرة، بقليلٍ من التفكير، أليس نحن من أتى به في الأولى، أو يغلبنا في الثانية؟ مع الاعتراف بأن خسارة الأرقام ثقيلة.