2024
Adsense
مقالات صحفية

مسافة الأمان في العلاقات الاجتماعية

إلهام عوض عبدالله الشهراني

قال مصطفى محمود رحمه الله:(حفظ المسافة في العلاقات الإنسانية مثل حفظ المسافة بين العربات أثناء السير فهي الوقاية الضرورية من الاصطدامات المهلكة).

الإنسان كائن اجتماعي بطبعه يحبّ العلاقات مع الآخرين، ومن أسُس ومعايير العلاقات عندما تتعرف على شخص، فإنك تحتاج وقتاً طويل المدى حتى تشعر بالثقة، وتصل معه إلى شاطئ الأمان، قد تحتاج إلى أوقاتٍ متفرقة لتتحدث معه في موضوعاتٍ شتى لمعرفة أفكاره، وأسلوب تعامله مع أحداث الحياة.

وربما لا تستطيع معرفة جوهره الداخلي إلا عند المواقف، فهي تُظهر “المعادن”، والتي بدورها ترسّخ العلاقة بينكما أو يُكتب على جدار السنين آهات الشعور بالندم على ما فات.

لذلك من الذكاء الاجتماعي وضع مسافاتٍ شعورية واسعة المدى، حتى تحافظ على مشاعرك وأحاسيسك من التصادم مع الآخرين، ولا تجعل لهم مجالاً لاقتحام خصوصياتك ومعرفة أسرارك، فهي نقاط ضعفك، وثغرات تنبثق منها سموم فقراء الأخلاق، فوضع المسافات المناسبة يؤدي إلى التوازن المطلوب في العلاقات، والتعامل مع الآخرين، ويبعدك عن الجدال، والتشاحن الغير مستحسن لذلك قيل: (لا تقترب حدّ الاحتراق ولا تبتعد حدّ الافتراق).

وفي نفس السياق:
اجعل الجميل يبقى جميلاً في عينيك، وفي نفوس الآخرين، فلا تقترب أكثر مما يجب فيقع التصادم لاختلاف الطبائع والنفسيات فكلّ منّا له عيوب، فلا تكسر جرّة العلاقات بمسافاتٍ قريبة، فالبشر يحتاجون زمناً لراحة الذات، والخلوّ مع خصوصياتهم، ووجود مسافاتٍ تبعد الملل والاختناق النفسي في العلاقات.

اجعل ما بينك وبين الآخرين مثل الكتابة، مسافةً بين الكلمة والكلمة لكي تريح القارئ وتمتّعه عند القراءة.

كلمةٌ أخيرة:
لا تقع بالخطأ الجسيم الذي يرتكبه البعض عندما يتعرفون على أشخاصٍ من الوهلة الأولى يفتحون قلوبهم وصدورهم ويقعون في”إلغاء المسافات”، ظناً منهم أن طيبة القلوب وصفاء النوايا كافية لبناء علاقاتٍ فريدة من نوعها، تخلو من كابوس المصالح ومغريات المظاهر الاجتماعية التي ولّدتها الحياة بسرعة إيقاعها مهما شعرت بارتباحٍ نفسيّ واحترامٍ متبادَل.

قال أبو العلاء المعري:
ضحكنا فكان الضحك منّا سفاهةً
فحُقّ لسكان البسيطة أن يبكوا
تُحطّمنا الأيام حتى كأننا
زجاجٌ، ولكن لا بعاد له سبكُ

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights