2024
Adsense
مقالات صحفية

الرياء الوظيفي

الدكتور: طالب بن خليفة الهطالي
‏Talib.oman@hotmail.com

من الأمور التي يسعى لها كل شخص في الحياة هي الظهور بالمظهر اللائق وأن يحظى بالتقدير والاحترام من الآخرين، وإذا زاد عن حده يتحول إلى رياء، فالنفس البشرية بطبيعتها لديها نهم شديد اتجاه كل ما يحقق لها هذه الأشياء، حيث نجد الكثير من الناس على مختلف مستوياتهم العلمية والوظيفية يسقطون في شَرَك الرياء الذي نهانا الله عنه ونبيه الكريم عليه الصلاة والسلام، وهذا السلوك يدفع بصاحبه إلى حب الظهور والمدح والتعظيم من الغير، ولا يقتصر الرياء على نمط واحد وإنما نجد من أُبتلي بهذا الداء في كل مناسبة أو جمع يسعى للظهور وإبراز أهمية وجوده، حيث يتصيد الفرص ليظهر أعماله ويبين خدماته التي قدمها للآخرين، وهذا يتنافى مع ما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} – القرآن: البقرة:264. وقوله ﷺ: ( إنّ أول النَّاس يُقَى يَومَ القيامةِ عليه رجُلٌ استشهد، فأُتي به، فعرَّفَه نِعمَتهُ، فَعَرفَهَا، قالَ: فَمَا عَمِلت فيها؟ قَال: قَاتَلتُ فِيكَ حَتَّى استُشهدتُ، قالَ: كَذَبتَ، وَلكنَّك قَاتلت لأنَ يُقالَ: جَرِيءٌ، فَقَد قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ. وَرَجُل تَعلَّم الْعِلْمَ وعَلَّمَهُ، وقَرَأ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قالَ: فمَا عمِلْتَ فِيهَا؟ قالَ: تَعلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأتُ فِيكَ الْقُرآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، ولكِنَّك تَعَلَّمْتَ ليُقال: عالم، وقَرَأْتَ الْقرآنَ لِيُقالَ: هو قارئ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ عَلى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، وَرَجُلٌ وسَّعَ اللَّه عَلَيْهِ، وَأعْطَاه مِنْ أصنَافِ المَال، فَأُتِيَ بِهِ، فَعرَّفَهُ نعمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تركتُ مِن سَبيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فيهَا إلَّا أنْفَقْتُ فِيهَا لَك، قَالَ: كَذَبْتَ، ولكِنَّكَ فَعَلْتَ ليُقَالَ: هو جَوَادٌ، فَقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ في النَّار)- الحديث. رواه مسلم.

وإذا ما أسقطنا مصطلح الرياء على الموظف نجد أنها ممارسات تصدر من بعض الأفراد كجزء من شخصيتهم وتكون ضمن ممارساتهم اليومية، وللرياء آثار سلبية تصبح مع الزمن ثقافة تنظيمية في بيئة العمل، وتختلف درجته حسب مكانة المرائي، ووضعه الاجتماعي، ومستواه الوظيفي، وسلطته…. إلخ، والرياء الوظيفي داء خطير وهاجس يسيطر على الموظف وتصرفاته إذ يجعل هدفه الأساسي هو حب الظهور للحصول على المكانة العالية عند الآخرين، والاهتمام، لتحقيق مبدأ “أنا مركز الكون” هنا تسيطر الإيجو – الأنا الكبرى – ويتحول هذا الرياء إلى مرض يؤثر على مستوى الأداء العملي وبالتالي يمس ذلك ببيئة العمل، كيف؟ قد يفعل كل ما يحفظ له هذه العظمة، وقد يؤدي به الحال أيضاً إلى مخالفة القانون وتهميش أعمال زملائه، ويمكن أن يوقعهم في مشاكل تحول دون تقدمهم ونجاحهم والتأكد من عدم قدرتهم على منافسته أو التفوق عليه، وقد يفعل من ابتُليَ بهذا الداء أي شيء يحفظ له مكانته ويشبع له غروره حتى لو أدى به الحال إلى إزاحة كل من يقف أمامه ويحول دون تحقيق طموحه.
هل يقف الضرر هنا؟
لا؛ بل يتمد ذلك إلى أن يضع من هم تحت إدارته أو ضمن نطاق عمله في مواقف محرجة تدفعهم إلى التزلف له ومنافقته ومجاراته ومدحه وتعظيمه ليقضي لهم مصالحهم دون تعقيد أو تعطيل وهذا السلوك ذميم نهانا عنه الشرع الشريف؛ ولأن الرياء سلوك غير سوي ينتجع عن اضطراب في شخصية الإنسان نتيجة ظروف قد يكون عاشها تؤثر سلباً على صاحبه في القيام بأعماله الوظيفية على النحو المطلوب منه لأن اهتمامه ينصبّ في تغذية الأناة الكبرى والصراعات النفسية الداخلية عنده بدلاً من تطوير مستواه بما يخدم المؤسسة والتقدم العملي، ويعدُّ مظهراً لسوء التنظيم الإداري(1) وظاهرة سليبة تحول دون نجاح الأعمال، وعقبات تحد من الإنتاجية، وله تأثير مباشر على المحيط الداخلي في المؤسسة إذ يعمل على ضعف تواصل حلقاتها الداخلية (2)، ويكون مصدر معاناة لباقي العاملين خاصة الذين هم ضمن نطاق إدارته، فتجد حركتهم شبه مقيدة، وعطاءهم مرهون به، وأداءهم الوظيفي بطيئ بسبب انهماكهم في تصحيح هفواته واخطاءه، واضطرارهم لمنافقته ومجاراته طول فترة العمل تجنباً للاحتكاك به، ناهيك عن اعتماده على مبدأ خالف تعرف…. فما يهمه هو لفت الانتباه وتحقيق مآربه وحب الظهور وأنه ذو أهميه.

لقد حذر الإسلام من الرياء فقد ورد في الحديث القدسي الشريف المروي عن رب العزة والجلال عن طريق أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركتُه وشِركه. من راءى راءى الله به، ومن سمَّع سمَّع الله به). الحديث. والرياء سلوك ذميم وقضية أخلاقية ذات أهمية عالية، فالمؤسسات تعتمد على القيم الأخلاقية لتحديد الصواب من الخطأ بغية تحديد استراتيجاتها لتحقيق أهدافها، إذ يؤدي النفاق والتملق – للوصول لتحقيق مآرب العاملين – إلى عادة أو ثقافة متداولة في بيئة العمل، وللقضاء على مثل هذه النوعية من الظواهر يجب تحقيق مبدأ العدالة والمساواة وأن تقاس الأعمال بمقياس الإنتاجية والكفاءة(3) والدقة في إنجاز الأعمال ومدى القدرة على حل المشكلات وتجاوز الصعوبات، لهذا يلزم المؤسسة توفير البيئة المناسبة للإبداع وتقبل الأفكار الجديدة التي تخدم مصلحة العمل وتساعد على النمو والتطوير لتواكب متغيرات العصر.

والله ولي التوفيق،،،

ولمزيد من الإيضاحات:
1. صحيفةالنبأالإلكترونية. https://alnaba.news/?p=47291 . سلطنة عمان:
2. صحيفةالنبأالإلكترونية. https://alnaba.news/?p=53058 . سلطنة عمان:
3. صحيفةالنبأالإلكترونية. https://alnaba.news/?p=51647 . سلطنة عمان:

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights