قصيدة الشتاء
خلفان بن ناصر الرواحي
كُنْتُ في لحظةٍ من الماضي
أتذكّرُ ضحكات لهواتنا
للشتاء الماضي
عندما نعدو
وعندما كنتُ
أَختفي من بردهِ ليلاً،
كالطفلِ في المهدِ
وتذكّرتُ ما كان من حولي
ومَن كان يؤنسني
فأُصغي إلى جسدي
وهو يحدثني
فكيف لا أصغي؟
وأخلو تحت غطاء الحُلم
لعلّ شتاء العُمر
يصحو، يشاركني
وأصغي ساعةً أخرى
لنسمةٍ أخرى
لنظرةٍ أخرى
كيف السما تبدو؟
وكيف السنا يهدي؟
تذكرتُ ساعة الأمطار
عند نافذتي
وضحكة الأطفال
وشقوة الأصحاب
عندما نجري
فيا شتاء الخصب
هلَّا تُعاودني
ويا شتاءً مضى
كيف تُرجع لنا
بعض ذكرانا
وبعضاً من الأَمسِ
بعضاً مما كان يسعدنا
مطرٌ بحبّ الخير
كرسالةِ الأشواق
تنثر سلام الخصب
في كلِّ ساقيةٍ
حبٌّ يسيلُ
بجداول الحيضان
يمرُّ في الوديان
نهراً لنا يجري
تتناغم الأغصان
وتنتشي الألحان
في كل ناحيةٍ
وفي السّما الأطيار
ترفرف بأجنحةٍ
بمختلفِ الألوان
فقد اختفت عنّا
فأين هجرة الأسراب التي
كانت هنا تأتي؟
شتاءٌ، جمالٌ، وماءٌ عزيزٌ
من نبعهِ يجري
هواءٌ يُرَى برغمِ استحالتهِ
لكنه لطفٌ، نسناسهُ يُثري
والغيمُ ناصعٌ بياضهُ فيضٌ
لونه يغري
كنت أُحبُّ الشتاء في الماضي
وأَمضي إلى حقلنا فرحاً
مرحاً في الطين المبلِّل بالماء
يلامسُ جسدي
كانت حياتي فيه كأنها سكنٌ
بالرغمِ من قسوةِ العيش
في ذلك الزمنِ
لكنها الأيام
إن جئت تذكرها
ترقرق الأشجان
وتنثر الذكرى
وينبري شِعْري
يا شتاءنا الماضي
اليوم أصبحنا نفتقد القَطْر
وسنابل القمح قد دُفنت
والنخل قد طولت
وبعضها عجزت
وغيرها اختلطت
بالتبرِ قد عُجِنت
والأشجار ذكرانا
جذوعها اجتثّت
والأرض ما نبتت
إلا بعضاً من الأثلِ
فأصبحت ذكرى
والأرض قد بارت
فسماؤنا خليت من سنا البرق
وكذا الرعدُ
لم نسمع تسبيحه أبداً
بشتائنا هذا
جفّت بلا مطرِ
والنَّاس في ملهىً
وقد قلَّ مُخلصنا
فأين الذي بدعائهِ يبكي
فيا أيها الشتاء
أطرب مسامعنا
بقطرة الغيث التي
من ربنا المعطي
فإن كنت تسمعنا
فأَهطلْ على جسدي
شيئاً من الودقِ
ويا ربّ السماء والأرض
خفّف عنّا بُكاءنا هذا
فالجدبُ صار يقلقنا
واخصبْ عُمان الخير
واروِ كلّ ذي كبدِ