الحرية الإدارية
الدكتور: طالب بن خليفة الهطالي
Talib.oman@hotmail.com
لقد أضحى التنظيم الإداري من الظواهر البارزة في المجتمع الحديث الذي جذب انتباه الكثير من المنظرين والباحثين من العلماء في مجالات العلوم المختلفة، فنشأته قديمةٌ قِدَم البشرية، فمع تزاوج الأزمنة وتَعاقُب الحضارات وتغيّر أحوالها، تغيّر معها مفهوم التنظيم من مجموعاتٍ صغيرة إلى مجموعات كبيرة معقدة، وامتدّ ذلك إلى الحكومات، فمع زيادة حجم الأعمال وتزاحمها كان لا بدّ من إنشاء أفرُعٍ خارج نطاق المركز الرئيس، وإعطائهم الصلاحيات المناسبة التي تمكنهم من مزاولة الأعمال اليومية، وهذا ما يطلق عليه باللامركزية الإدارية المعرّفة بتشتيت الصلاحيات والمسؤوليات على المستويات الثلاثة الأفقية والعمودية والجغرافية في المنظمة.
ونتيجة للتطور المضطرد والنمو المتسارع في المجالات الحياتية المختلفة، ونتيجةً لتطور المعارف وانعكاساتها على التنمية، فقد برزت الحاجة لتفويض السلطات في الأعمال اعتماداً على الهيكل التنظيمي والاختصاصات الوظيفية، فقد بات من الصعوبة على الإدارة العليا الاضطلاع بالقيام بكافة المهام وإنجازها دون معاون، لذا جاءت فكرة التفويض تلبيةً للأفكار الديموقراطية وهو من المبادئ التي يقوم عليها العمل الإداري في كافة المستويات الإدارية المختلفة. وعلى الرغم من أن موضوع التفويض ليس من المواضع الحديثة، فقد تناوله الباحثون وأشبعوه بحثاً وتمحيصاً، وما نحن بصدده إلا قطرة في بحرٍ لجّيّ من المعارف ومحاولة للتعرف على مفهوم الحرية وآثارها على الفرد حال ممارسته لها في بيئة عمله.
ما علاقة الحرية في بيئة العمل بالانتاجية؟ وكيف يكون شكلها؟ نجد أن الحرية في أصل تعريفها هي مقدرة الفرد على تحديد خياراته واتخاذ القرار دون أيّ إكراه، وهي الوسيلة لإطلاق العنان للطاقات المحبوسة عند الفرد التي تساعده على زيادة عطائه وانتاجيته وتحرره من القيود المادية والمعنوية، وتعمل على التحرر المطلق من الانهزام الذاتي أو عبودية الذات. لقد ورد أن أرسطو اهتمّ بتحرير الفرد وإنصافه من أشكال الحتمية، وأن بناء الشخصية من الأشياء المهمة التي يجب الاهتمام بها.
لقد وردت تعريفات لمعنى الحرية وهنا نورد ما جاء في إعلان حقوق الإنسان الصّادر عام 1789م على أنّه: (حقّ الفرد في أن يفعل ما لا يَضُرّ الآخرين)، وأما الحُريّة في الإسلام فهي: ما وهبه الله للإنسان من مكنة التصرُّف لاستيفاء حقّه وأداء واجبه دون تعسف أو اعتداء.
وإذا انتقلنا إلى بيئة العمل ومعرفة الإمكانات البشرية وتقييم مدى كفاءتها وتحديد مستوى إنتاجها والكشف عن آلية مزاولة أعمالها، ومعرفة سبل بناء الأعمال وتطويرها، نجد أن الحرية الوظيفية من العوامل الرئيسة فيها، إذ كلما أحسّ الفرد أنه جزءٌ من المنظومة المؤسسية فإن ذلك يزيد شعوره بالانتماء، ويحقق الرضا الوظيفي، فعندما تكون البيئة خصبة يكون للإبداع طريقاً وللكفاءات ظهوراً وتميزاً، فبهم تقوى المؤسسة، وبأفكارهم وطاقتهم وطموحهم تتطور المؤسسة وبشغفهم تتميز، لذا فإن الحرية الإدارية متسلسلة من التمكين الإداري الناجح المولود من التفويض الإداري الذي يستمد سلطته من الاختصاصات الوظيفية طِبقاً للهيكل التنظيمي للمؤسسة، وهنا نجد أن تفويض السلطات يعدّ من المفاهميم العامة لتطبيق اللامركزية الإدارية الناجحة، ولا ريب أن هذه السلسلة حال تطبيقها فإنها توفر المناخ المناسب لممارسة الأعمال بأريحيةٍ وتميّز، وتحقّق النجاحات المتوالية، ويعمل التمكين كذلك على تقوية الحلقات الإدارية في المؤسسة ويعطي المساحة الكافية للمستوى القيادي لممارسة اختصاصاته الأصيلة ( التخطيط، والرقابة والإشراف والتوجيه).
1. Katharine Gammon (2012-6-27), “What Is Freedom?”، livescience.com, Retrieved 2018-7-12. Edited.
2. وفاء نايف خالد العجمي (2016-2-18)، “مفـهــوم الحريــة فــي الإســلام”، الملتقى الفقهي، اطّلع عليه بتاريخ 2017-5-17.
3. اللامركزية الأدارية ودورها في التنظيم الإداري. https://alnaba.news/?p=47291 . صحيفة النبأ الإلكترونية. سلطنة عمان:
4. أ ب د. فرح يس فرح (2015م)، مفاهيم حول المركزية واللامركزية الإدارية، السودان: جامعة القضارف، صفحة 5-6. بتصرّف.