مبدأ وجوب الطاعة لوليّ الأمر
الدكتور : سعيد بن راشد بن سعيد الراشدي 23/12/2020 م
الحمد الله والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين الهادي الأمين محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم وبعد:
ها نحنُ نعود لِنعَرّجَ على مبدأ آخَر من المبادئ الإدارية الهامّة والتي قامت عليها الإدارة من منظورٍ إسلامي، وأتطرق في مقالي هذا بعونٍ من الله سبحانه وتعالى إلى مبدأ وجوب الطاعة لوليّ الأمر من خلال ما جاء في القرآن الكريم والسُّنّة النبوية الشريفة من تعاليم وتوجيهات ربانية ومواقف نبوية شريفة، التي نعتبرها الركائز المتينة والقوية للإدارة الحديثة في عصرنا هذا؛ لِما لذلك من جوانب إيجابية كثيرة في مختلف جوانب الحياة.
وديننا الإسلامي الحنيف إنما هو دين القيَم والمُثل العليا في مختلف جوانب حياة البشر.
ولقد جاء في القرآن الكريم ما يبيّن ويوضّح أهمية وجوب طاعة وليّ الأمر حيث يقول تعالى جلّ في عُلاه:
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ” الآية ” 59 ” سورة النساء.
ومن خلال تفسير القرآن العظيم للإمام الحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفّى سنة 774هجرية الجزء الأول يتضح أن سبب نزول هذه الآية الكريمة في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه رسول الله في سرية من الجيش واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار فلمّا خرجوا وجد عليهم في شيءٍ، قال: فقال لهم: أليس قد أمركم رسول الله أن تطيعوني؟ قالوا: بلى قال: اجمعوا لي حطباً ثم دعا بنارٍ فأضرمها فيه ثم قال: عزمت عليكم لتدخُلنّها قال: فَهَمّ القوم أن يدخلوها قال: فقال لهم شاب منهم: إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النارِ فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله، فان أمركم أن تدخلوها فادخلوها قال: فَرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال لهم: “لو دخلتموها ما خرجتم منها أبداً إنما الطاعة في المعروفِ”.
وهناك الكثير من الآيات القرآنية الكريمة التي تتحدث عن وجوب طاعة ولي الأمر منها: قال تعالى: ” قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ”. الآية “32” من سورة آل عمران.
وقال تعالى: “وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”. الآية “132” من سورة آل عمران.
حيث يتضح لنا ومن خلال هذه الآيات الكريمة وجوب طاعة ولي الأمر فيما يرضاه الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ولقد ضرب الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم أروع الأمثلة في ذلك، ومن خلال اتباعهم لتوجيهات رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم فيما يأتيه من ربه جلّ وعَلا، وفي كل أمور حياتهم واتباع أوامر كل من ولّى عليهم من القادة أو من الصحابة حين يبعثهم الرسول صلى الله عليه وسلم في الغزوات أو غير ذلك مما يخدم دينهم وحياتهم.
لذا يتوجب على الإدارات المعاصرة أن تتبنى هذا المبدأ في مؤسساتها. وان تحرص كل الحرص على غرس القيم الحميدة في نفوس العاملين وحثّهم وتوجيههم على اتباع التوجيهات والسياسات التي تخدم العمل في المؤسسة التي يعملون بها. وهنا يمكننا طرح بعض الإجراءات التي نراها تساعد في تحقيق هذا المبدأ الإداري الهام والتي تتمثل في:
• توظيف أفضل الأنماط الإدارية الناجحة مع العاملين في المؤسسة، وتوفير مناخٍ تنظيميّ صحيّ، للوصول للأهداف المبتغاة.
• حثّ العاملين على اتباع التوجيهات والسياسات التي تخدم العمل في المؤسسة ووفق الأنظمة التي تنظم سَير العمل بكل عدالة، وبدون تسلط عليهم أو قهر.
• مراعاة الجوانب التعزيزية والتحفيزية في المؤسسة لِما لذلك من جوانب إيجابية عديدة على مختلف جوانب العمل في المؤسسة.
• يتوجب على العاملين في أيّ مؤسسة السعي لتحقيق هذا المبدأ الإداري المهم – طاعة وليّ الأمر- في مختلف جوانب حياتهم العملية، ووفق ما يتوجب عليهم من أداءٍ للأعمال المكلّفين بها، ووفق الأنظمة المعمول بها في المؤسسة، مع الأخذ بالاعتبار أن طاعة ولي الأمر من الأمور التي أمرنا بها ديننا الحنيف وحثنا عليها.
هنا يتضح لنا جلياً أهمية العمل على تحقيق هذا المبدأ الإداري الهام – مبدأ طاعة ولي الأمر- في أيّ مؤسسة؛ وتهيئة مناخٍ تنظيمي صحي بين الجميع، للارتقاء بالعمل والوصول به لأفضل مستوياته وتحقيق الأهداف المبتغاة.
هذا وأسأل الله تعالى أن أكون قد وُفقت في طرح هذا الموضوع، وما من توفيق فهو من الله وما من تقصير فهو مني، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.