حكايات مدفونة
بقلم : بدرية بنت حمد السيابية
كثيرة هي القصص والروايات و الحكايات التي نسمعها مُنذ كنا صغاراً سواء كان قبل النوم أو عند جلساتنا مع الأجداد والآباء، وكلّ حكايةٍ أو قصة تختلف عن غيرها، وفيها شيء من الخيال الواسع وبعضها تكون قصص حقيقية وتكون نهايتها ممزوجة بين الحزن والسعادة، متفاعلين مع أحداثها مندمجين حتى النهاية، فالبعض يغلبه النعاس فينام والبعض يركّز ويحفظها ليحكيها فيما بعد في زمانٍ ومكانٍ مختلفين.
من القصص الخيالية التي استمعتُ إليها وفيها الكثير من الخيال الواسع هي قصة فتاةٍ كانت تسكن لدى زوجة أبيها ومسكنهم قريب من البحر وكان أبوها كثير السفر والتجوال، وكانت زوجة الأب تُعامل هذه الفتاة معاملةً قاسية، وتنهض الفتاة في الصباح الباكر لتنظيف المنزل وجلب الأغراض من السوق، وإذا لم تنفّذ الفتاة كل هذه الطلبات ستُحرم من الطعام لمدة يومٍ كامل، وظلّت على هذه الحال. وفي يومٍ من الأيام ذهبت الفتاة إلى البحر لتشكي همّها وحزنها وتدعو الله أن يعود والدها من السفر بأقرب وقت، فوجدت سمكةً على الشاطئ ملفوفةً بشِباك الصيد وكادت أن تموت السمكة لولا أن الفتاة سارعت لإنقاذها، فشكرت السمكة الفتاة وقالت لها: سأكون دائماً بقربك إذا احتجتِ أو عند زيارتكِ للبحر.
وفي يومٍ من الأيام ذهبت الفتاة إلى البحر جلست على الشاطئ تبكي بحرقةٍ وقالت: أين أنتِ يا صديقتي السمكة؟ عندها سمعت السمكة بكاء الفتاة وسألتها: ما الذي يبكيك؟ فقالت الفتاة: إنني جائعةٌ جداً، فزوجة أبي لم تسمح لي بتناول الطعام، فقالت السمكة: لا بأس يا صديقتي سأجلب لك كل أصناف الطعام والشراب اللذيذ فكُلي حتى تشبعي واشربي حتى ترتوي، فأكلت الفتاة حتى شبعت وشربت حتى ارتوت وبعدها اختفت السمكة ورجعت الفتاة إلى البيت وهي سعيدة، في الحقيقة للقصة بقية ولكن هذا ما أذكره منها.
ومن القصص الجميلة الخيالية والتي اذكرها بأن هناك امرأة تدعى “غيثاء” لم يرزقها الله بالإنجاب وكانت تعيش هي وزوجها بعيداً عن البلدة، ولديهما مالٌ كثير، وهما من أسرة معروفة في البلاد، وكان هذا الزوج لديه أخٌ يُدعى “طارق” يسكن في قصرٍ كبير، عند دخوله تسرّ ناظريك من شدة جماله، حدثت مشادّاتٌ ومنازعات بين الأخوين، لذلك تفرقا وكلّ منهما سكن بعيداً عن الآخر، مرت الأيام والسنوات وسمعت “غيثاء” بأن زوجة “طارق” حامل، فحزنت “غيثاء” وصارت تكلم نفسها وتبكي لماذا لا أحمل مثلها؟ وظلت تسأل نفسها كثيراً ودعت ربها وتمنت أن يعطيها طفلة يكون حجمها مثل “حبة العنب”.
بعد سنة، حملت “غيثاء” ودخل الفرح والسعادة قلبها، وبعد فترةٍ قصيرة من الزمن توفيَّ زوجها وأصبحت وحيدة في المنزل، ومرت أشهر الحمل على خير ، إلى أن أتى ذلك اليوم الذي تنتظره “غيثاء” بفارغ الصبر لتحمل طفلها بين أحضانها وتقبّله قبلةً على جبينه وتسعد لرؤية وجهه المبتسم ونعومة بشرته ورائحته الجميلة لتصعد بها لعالَمٍ آخر تعيشه مع من انتظرت قدومه منذ سنوات وسنوات.
بعد مرور تسعة أشهر مِن حمل “غيثاء” أنجبت طفلةً بمساعدة جارتها التي كانت تزورها بين الحين والآخر، سمعت صوت طفلتها يعلو وقالت: ما أجمل صوتك الحنون يتراقص في مسمعي كنسمات هواء تنثر السعادة على قلبي، فقالت جارتها: هل تودين حملها يا “غيثاء” ؟ فقالت “غيثاء”: نعم نعم فإني متلهفةٌ جداً على حملها وشمّ رائحتها وحضنها، فقالت جارتها: ولكن يا “غيثاء” لقد أنجبتِ فتاةً حجمها كحجم “حبة العنب”.
سنكمل في الجزء الثاني “حبة العنب”.
ملاحظة / أسماء الشخصيات من نسج الخيال.