أطال الله عمر الأستاذ رفيق
د. علي زين العابدين الحسيني
باحث وكاتب أزهري
كنت أقرأ في كتاب “فقه المعاملات المالية” للأستاذ الدكتور رفيق يونس المصري، وهو من الأسماء المبرزة في فقه المعاملات والاقتصاد الإسلامي، درس وأخذ دكتوراه التخصص في اقتصاد التنمية من جامعة “رين” بفرنسا سنة (1975م)، وكانت أول معرفتي به منذ سنوات من خلال قراءتي لكتابه “بحوث في المواريث” الذي وجهه للقارئ غير التقليدي بغيةَ تجديد علم الميراث وإحيائه.
هذا الرجل صاحب مفاجآت معي، وأولها أني كنت أظن من اسمه أنه “مصري الجنسية” ويعمل -كغيره من الأساتذة المصريين- في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، واستقر ذلك في ذهني لسنوات، ثم بدا أنّه سوري الجنسية من مواليد (دمشق) سنة (1942م)، فليس له من مصر إلا اسمها، وهو شرفٌ أن تنتسب مثل هذه القامة العلمية الرفيعة لمصر.
كانت لي رغبةٌ أكيدةٌ في التعرف عليه، ومِن حينٍ لآخر تقوى هذه الأمنية ثم تضعف، لكنّها تجددت لي هذه الأيام واستحكمتْ في عقلي لا سيما أنّي طالعتُ بعض آرائه في فقه المعاملات المعاصرة، وكعادته يأتي بالجديد في كتبه فلا يكتفي بمجرد عرض المادة دون إضافاتٍ، وكان آخر عهدي به أنّه يعمل في مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بمدينة جدة.
تواصلتُ مع أحد خواص أصحابي الأستاذ (البحاثة) ماجد بن محمد النفيعي، وهو ممَن يدرس في هذه الجامعة العريقة بغية الحصول على هاتفه أو وسيلة تواصل معه، لكن كانت المفاجأة الثانية؛ إذ أخبرني أنه توفي منذ شهرين تقريباً، وكُتب نعيّ وفاته على حسابه في “تويتر”، فتأسفت على عدم التواصل مع صاحب الجهد المعرفي المتعدد، وأني فرطت في ذلك.
ما إنْ مرت ساعات حتى تواصل معي الأستاذ ماجد مؤكداً لي أنه ما زال على قيد الحياة حي يرزق يتمتع بصحةٍ وعافيةٍ، وأن صفحته اخترقها بعض فاقدي المروءة والحياء وكتبوا خبر وفاته، ثم كذبت الخبر أسرته الكريمة، وهذا الإيذاء المتكرر الذي يحصل للأعلام يرفضه العرف ويستقبحه العقل، ولا أستطيع وصف مدى الأذى الذي يلحقونه بغيرهم جراء أفعالهم الصبيانية.
وعلى ذِكر عدم التحقق في وفاة العلماء فقد مر عليّ سنوات كنت أحسب أن عالماً مشهوراً في عداد الموتى، ثم ظهر لي عن طريق الصدفة أنه ما زال على قيد الحياة، ولعل سبب نسيان الناس له هو اشتهار وفاته، ويبدو أن أسرته بعيدة عن وسائل التواصل الحديثة فلم يكذبوا خبر وفاته، وربما لم يعلموا به أصلاً، فاستقر عند الجميع أنّه فارق الحياة.
وللأستاذ أنيس منصور حادثةٌ غريبةٌ مثل هذه، وهي أن الشاعر الكبير عبد الرحمن شكري -وهو من مؤسسي “مدرسة الديوان” الأدبية- اختفى سنوات عن الظهور الاجتماعي والمحافل الأدبية، فاشتهر عنه أنه توفي، وقيل: انتحر، ثم جاءت صدفة بحتة لأنيس منصور فوجده يعيش في بيتٍ صغيرٍ بالإسكندرية، وأخبره شكري أنه يقرأ نعيه بصفة مستمرة بجميع الأقلام.
لعل خبر انتشار وفاة الأستاذ رفيق المصري كان سبباً للتحذير من هذه الأفعال الهوجاء، والكتابة عن هذا العَالم الموسوعي حتى يلتفت إليه القريبون منه، ويستفيدوا من خبراته، ولمن هم بعيدون عنه أن يحاولوا قراءة مؤلفاته خاصة كتبه (أصول الاقتصاد الإسلامي) و (في الفكر الاقتصادي الإسلامي) و (الإعجاز الاقتصادي للقرآن الكريم) و (الجامع في أصول الربا) و (التفسير الاقتصادي) .. وغيرها كثير.
أطال الله عمر الأستاذ الدكتور رفيق المصري، ومتعه بالصحة والعافية، ونفعنا بعلومه في الدارين، آمين.