دعوة للتفاؤل
هلال بن حميد المقبالي
يقال تفائلوا بالخير تجدوه، والتفاؤل ثقة بالنفس وفي الآخرين، و كلمة تفاؤل عندما ننطقها توحي لك بالابتسامة والانشراح، فمن المستحيل أن تنطقها وأنت عابس أو حزين، دعوة للتفاؤل ربما نحتاجها الآن أكثر من ذي قبل، الكثير منا من عاش قبل النهضة الحديثة التي قاد مسيرتها السلطان الراحل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، وعايش الوضع الاجتماعي والمعيشي في تلك الحقبة المظلمة من تاريخ عُمان، هاجر من هاجر، وقاسى مر الغربة والبعد عن الأهل، وكذلك الحال لمن لم يهاجر و بقى في البلد، قاسى مرارة الجوع والخوف، والجهل، إلا القليل منهم، ولكن وبرغم كل تلك المخاوف والحاجات تأقلموا معها ولم ييأسوا بل عاشوا حياتهم متفائلين متمسكين بثقة الله أن الوضع سيتغير، عاجلاً أو آجلاً، فكثير من العمانيين الذي هاجروا للبحث عن لقمة العيش، والتعليم تاركين آبائهم وزوجاتهم وأبنائهم تحت رحمة الفقر والجهل وتردي الأوضاع المعيشية، وصعوبة الحياة، كانوا يتفائلون بأن هناك أمل سوف يغير الحال إلى حال أفضل وبالفعل هذا ما حدث، وتفاصيل هذا الحدث لا يحجبها حجاب ولا ساتر، وفعلا تغيرت الأوضاع في عُمان، ونفضت عنها غبار السنين القاحلة، وعاد من أراد واستطاع العودة إلى الوطن الحاني المشتاق لأبنائه بعد مسيرة طويلة مع الغربة والبعد عن الوطن، واستمرت الحياة للأفضل والأفضل، وفي تطور وتقدم ورقي واضح ولله الحمد، والكل على دراية بما حدث و بمقربة منه، ولكن و بالرغم من كل ذاك الازدهار والرقي، الذي قاد تقدمنا لا يخلو من بعض التحديات والأزمات التي صادفتها الحكومة سواء أكانت أزمات محلية أو إقليمية ودولية، و بين أزمة وأخرى، ندفع الكثير، ونخسر الكثير، و تتفاقم الأوضاع رغم الحلول المتاحة، وربما تكون الحلول الغير مناسبة لأزمة ما قد تزيد من تداعيات الأزمة.
لَم أكن ممن عاش ما قبل النهضة العمانية التي أرسى دعائمها والدنا المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، متوجاً عُمان بتاجها الأبي يوم الثالث والعشرون من العام الميلادي ألف وتسمائة وسبَعون، ولكنني سمعت وشاهدت ما يكفي والذي يجعلني أن أقف اليوم متفاخراً بهذا الإنجاز، وقد يشاركني الكثير في هذ الفخر ممن عاش قبل النهضة.
دعونا نأخذ الأمور بتعقل وتمعن وبتسلسل حدثي، هناك وعلى مستوى السلطنة، كثر الحديث والتعليقات عن قضايا عدة تؤرق المجتمع العُماني، منها الوضع الاقتصادي وقضية الباحثين عن عمل والأزمة المالية ومسلسل المسرحين من العمل، والتأخر في تهيئة موانئنا لتقود الدفة وتكون هرم التجارة الخليجية أقلها، إذا لم تكن التجارة العالمية، و لن يستطيع أحد التكهن _من العامة _ لماذا حدثت هذه الأزمات واستمرت وتثقل تداعياتها كاهل الوطن، إلا لأصحاب صناع القرار، والمعنيين بالخطط الاقتصادية وإدارة الأزمات في الدولة عندهم الإجابة، فهم الذين يعرفون حق المعرفة الأسباب التي أدت إلى ذلك، ناهيك عن التفاعل الذي لازم الجهات المعنية باستغلال المعطيات البيئية والجغرافية وإثراء التنوع الاقتصادي، والاعتماد على الجار في تسهيل التجارة، كل هذا لازمنا تلك السنوات التي مرت، حتى يأس البعض بأن لا حل لهذه المنغصات إلا بمعجزة، وزمن المعجزات كما يُقال قد انتهى.
بعد رحيل والدنا السلطان الراحل طيب الله ثراه، تسلّم جلالة السلطان هيثم حفظه الله ورعاه، الإرث العظيم لعُمان الخير، وكلنا على يقين أن هناك تحديات وصعوبات تواجه جلالة السلطان هيثم، وقد بدأ بدايات إصلاح وهيكلة نظام الدولة تفائل بها الشعب خيراً، وفتحت رحب أوسع في تقليص وإنهاء بعض التحديات، وأعطى جل اهتمامه للمشكلات العالقة (الباحثين عن عمل، الوضع الاقتصادي والمالي … إلخ) و وضعها ضمن أجندة الدولة المهمة، محاولاً ومسخراً كل السبل الممكنة لزحزحة ما يعيق الحلول لهذه المشكلات، ولكن ظهور فيروس كورونا (كوفيد 19) وما زاد الوضع سوءاً، وما لازمه من انخفاض في أسعار النفط، وارتفاع في أسعار السلع، تحديات جديدة وأزمة تداعياتها طويلة الأمد، هذه الازمة، دول عظمى عانت منها الكثير، وانخفضت اقتصادياتها، ومواردها المالية، بلا شك أن الحكومة ستتأثر من هذه الأزمات، وربما تعيد صياغة بعض القوانين والإجراءات للحفاظ على التوازن المالي للدولة مع البحث عن مخرج للمشكلات المتراكمة والعالقة منذ فترة.
إن ما قام به صاحب الجلالة وما يقوم به، ولو كان بعضه على حساب المواطن البسيط، لكنه السبيل إلى تحسن الوضع المالي، والذي نأمل أن يكون كذلك، فلنتفائل قليلاً بهذه الإجراءات اللازمة، والتي لا بد منها لتعديل المسار المالي و تحسين الوضع المالي الصحيح للبلد.
لست هنا مقللاً من شأن المشكلات القائمة، فأنا ممن تأثر بذلك الوضع، فعندي اثنين من الأبناء بدرجة بكالوريوس هندسة وهما باحثان عن عمل، أحدهما مهندس بترول بعد تخرجه ظل يطرق أبواب شركات البترول في السلطنة و لمدة سنتين ليحظى بفرصة عمل، لكن دون جدوى، فلم يرضَ على نفسه أن يظل مكتوف الأيدي منتظراً الوظيفة، بل بحث عنها، في دول الجوار ملتمسا وظيفة من هنا أو من هناك! ، ولله الحمد وفق في وظيفة بإحدى شركات النفط النرويجية العاملة بالمملكة العربية السعودية، نعم تغرَّب عن وطنه كما تغرَّب أجداده من قبل، ولكن رجعوا إلى بلادهم، وهم كرماء ، فما كانوا يحلمون به في الخارج وجدوه في بلادهم، وهو كذلك فترة تجربة يعتبرها صقل مهاراته العملية والعلمية، وخبرة يكتسبها ليعود بها إلى الوطن بعد تحسن الأوضاع، وهذا مثل يدعونا للتفاؤل بأن القادم أفضل بإذن الله.
منذ أكثر من ثمانِ سنوات ومشكلة الباحثين عن عمل تحتل المرتبة العليا عند المواطن، ولم يجد مبرراً لها ، وقد كتب الكثير من الكُتاب في هذا الشأن بأنه لا توحد لدينا أزمة للباحثين عن عمل، بل توجد لدينا أزمة تنظيم العمل، وهذا رأيهم، ولكن ما نراه نحن أن هناك أزمة حقيقية لتوظيف مخرجات التعليم العام والتعليم العالي، و إن الحال أصبح أكثر استحالة في الوقت الراهن لقضية الباحثين عن عمل، و زاد في ذلك قضية المسرحين عن عمل، كلها أتت في وضع مالي سيء للغاية، وما زاد الطين بله هو ظهور فيروس كورونا (كوفيد 19)، ومع هذه الظروف المالية الصعبة، في مكافحة هذا المرض، والاعتناء بمرضاه الذين وصلوا مرحلة الخطر وتكلفة علاجهم مرتفعة، هذا ما ذكره وزير الصحة في أكثر من تصريح له لوسائل الإعلام ، كل ذلك كان في استقبال العهد الجديد من نهضة عُمان المتجددة بزعامة جلالة السلطان هيثم حفظه الله ورعاه، فقد تسلم إرث عظيم وهي حضارة عُمان العريقة ، وتركة صعبة في ظل كل هذه المعوقات التي حدث بعض منها متزامنا مع تولي مقاليد الحكم خلفاً لوالدنا الراحل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، تركةً لم تكن بتلك السهولة، بل تراكمت عليها عدة قضايا لسنوات وسنوات، و يحتاج لحلها أكثر من معجزة، والطريق شاق وطويل أمام السلطان هيثم حفظه الله ورعاه لزحزحة هذه العقبات، رغم ذلك فقد أولى جلالته أيده الله أولى اهتماماته للباحثين عن عمل والمسرحين؛ لأنها قضية تمس الاستقرار الأسري والأمن المجتمعي، وأولى هذه الاهتمامات التي طرأت على موضوع الباحثين عن عمل والمسرحين صندوق الأمان الوظيفي، والذي سوف يحد من الضائقات المالية للمسرحين وكذلك يخفف العبء عن أهالي الباحثين عن عمل من النفقات الشخصية لهذه الفئة.
إن إنشاء هذا الصندوق يعتبر ضماناً اجتماعياً وكذلك أمنياً الحد من تفشي جريمة السرقة بمختلف أنواعها، فالمعروف عالميا، إن البطالة في أي مجتمع مهما كانت مسمياتها إذا زادت أصبحت سبباً أساسيا في ظهور الجريمة بمختلف أنواعها، و سبباً في تبني المظاهرات والاعتصامات والتخريب، و هذه الجرائم تؤدي إلى الإرهاق الأمني المحلي ، و ربما يتطور الوضع ليصل إلى مرحلة تنفيذ أجندة خارجية تضر بمصالح البلد.
ما يجعلنا نتفائل، أن جلالة السلطان هيثم لم يكن بعيداً عن هذه القضايا فقد كان ضمن تشكيلة الحكومة، فقد كان من صُناع القرار، و كذلك أوكل له السلطان الراحل المسؤولية المباشرة لملف رؤية عُمان المستقبلية 2040م، وهذا أيضاً يجعلنا أكثر تفاؤلاً ، أن من يقود البلاد الآن هو من درس الرؤية المستقبلية العمانية، وحدد لها المسار، ووضع لها الخطط والأهداف، واقترح لها الحلول والتوصيات ، والمُطّلع على أوضاع البلد وحاجة شعبها، والتي ستكون متزامنة مع رؤية عُمان المستقبلية 2040 م ، و بإذن الله ستكون هذه الرؤية المسار الصحيح لحل جميع القضايا المتراكمة، وسيكون بمثابة الجسر المؤدي إلى الازدهار، والرقي للوطن والمواطن، وإلى بوابة الانفتاح المالي والاقتصادي بإذن الله تعالى.
إن الحمل الذي استلمه السلطان هيثم ثقيلاً، ولا يقل ثقلاً عن الحمل الذي حملة والدنا الراحل السلطان قابوس طيب الله ثراه في بداية تسلمه الحكم، وربما الحمل في هذه الاوضاع الراهنة أشد و أصعب، والدرب أمامه طويل وشاق، والتحديات صعبة، ولا يعرف أي أزمة قادمة علينا غير الله، فالوضع مرهق لجلالة السلطان هيثم حفظه الله ورعاه، وتكاتفنا معا لتخطي هذه الأزمات يساعد في تخفيف هذا الحمل كي نعبر كلنا في بر الأمان، وهذا ما أوصانا به والدنا السلطان الراحل، أن نكون معه جنباً على جنب بالطاعة له.
دعوة للتفاؤل، ليس مقالا يكتب وإنما هي عقيدة لا بد أن ترسخ في نفوسنا، ونضع يدنا في يد ولي الأمر بالسمع والطاعة، ومعاً بإذن الله سنتجاوز هذه المحن والعقبات، لنصل إلى بر الأمان معانقين العُليا بكل عزمٍ وحزم، متوجهين إلى الله بالسؤال ومتضرعين له بالدعاء أن ينعم على جلالة السلطان هيثم بالصحة والعافية، والعمر المديد، وأن يسخر له البطانة الصالحة الغيورين لهذا البلد الطيب العظيم وشعبه الأبي الصابر الوفي.