قبل أن يرحل الخريف..
راشد بن حميد الجهوري
يسرح الخيال مع الأوراق الصفراء المتناثرة في صفحة الطريق، وكأنها حروف تلونت بلون الشفق البديع فغاب عنها زهو ألوان الربيع، وبعض أخواتها ما زال متمسكاً ببعض الأمل في أغصان الشجر، وبين هذه وتلك مساحة من مشاعر الدفء لعلها تكون المعطف الذي يتدثر به العقل من نسمات شتاء الأفكار الباردة، أو الفتيل الذي من الممكن أن يشعل موقد الخواطر الساكنة.
لا بدَّ أن يرحل الخريف، ولكن متى كان رحيله قاسياً على النفس؟! أليس هو مضرب المثل بآخر العمر وأيام الشدة؟! نعم، ولكن قد يكون ذلك من ظلم الشعراء والأدباء له، أو من لوحته شفقية اللون التي ظلمتها المقارنة بألوان الربيع الزاهية، ومتى كانت حقائق الأمور تقاس بألوانها، وأتخيل أن الخريف لو نطق لقال: إن الفصل الجميل تصنعه مشاعر الإنسان قبل أن يصنعه غرور الألوان، والفصل الأجمل هو الفصل الذي يكتب فيه المؤمن طعم الفوز على النفس الأمارة بالسوء، أو يضيف إلى سيرة أيامه إنجازات تقربه من ربه الكريم الذي يعطي من فضله الواسع لمن شاء بغير حساب.
ولئن كان الخريف حزم حقائبه ليرحل، فإنه قد أدى دوره في سنة من حياة البشر، ولئن كان الخريف ما يزال في صورته الباهتة في أذهان بعض البشر، فإن عيون التشاؤم ستصور لهم أن هذه السنة- بسبب ظروف جائحة كورونا- فصل واحد اسمه: الخريف، وأما في فلسفة التفاؤل فسيكون اسمه: التغيير، وبين هذه المشاعر المتناقضة يرفع الشتاء الأبيض رايات السلام، فهل نحسن توديع الراحل واستقبال القادم؟!
وعوداً على بدء، فإن الحروف ما تزال تلهث وراء الأوراق الصفراء تستنطق من بين سطورها كلاماً غير مسموع قد يكون من درجات النجوى أو هو أدنى، إنها الأحلام والأفكار والمشاعر تجلس على بساط الخيال المشتاق إلى زرقة البحر وغموض التلال وخرير الجداول، إنه الهذيان من الحناجر المحبوسة في قفص السلامة.
وختاماً: مع كل ورقة خريف تسقط تنبت مكانها ورقة أخرى لعلها تكون أكثر اخضراراً ونضارة، ومع كل خريف يهم بالرحيل فهناك فصول من الجمال والتفاؤل والإنجاز في حياة الطامحين لا يمكن أن ترحل، وقليل من التأمل في الطبيعة قد يصنع الفارق.