التخطيط في زمن كورونا بين الواقع والمأمول
محمد بن سالم الجهوري
عَرَّفَ هنري فايول التخطيط أنه: توقُّع المستقبل والاستعداد له (سليمان، حنان حسن (2015). القيادة التربوية). كما أشار بينيت (Bennett) إلى أن: التخطيط تحديد أهداف المشروع والطرق اللازمة لتوجيه الأفراد في نشاطاتهم لتحقيق هذه الأهداف بطريقة سهلة غير معقدة. كما أن التخطيط يتمثل في الإجابة عن الأسئلة الآتية: أين نحن الآن؟ أين نريد أن نذهب؟ كيف سنصل إلى هناك؟ فالتخطيط بحد ذاته مرتبط بالأهداف ويهدف للتغير والتعديل بفكر واسع (حجي، أحمد إسماعيل (2005). الإدارة التعليمية والإدارة المدرسية)، فالتخطيط (Planning) الطريقة التي تقوم على دراسة وافية للبيئة المحيطة، وفهم محتواها، وبلورة مختلف جوانبها من أجل التنظيم والتحديد الفعلي للمسار المؤدي لتحقيق الأهداف من خلال المعرفة المنظمة وطرق تطويرها بما يتلاءم مع واقع ذلك المسار. ويُعد التخطيط أول المهام التي يجب أن ينسجها الفرد في حياته بما ينسجم مع البيئة المحيطة، فهو يمثل القاعدة في أي مهمة يمكن القيام بها، ولا بد أن يتحلى بوضع مرن يسهل عملية إحداث أي تغير طارئ في المسار في حال ظهور العقبات والتحديات التي قد تكون في بدايتها عائقًا في مسار الأهداف التي خطط لها الفرد إلا أنها في ذات الوقت قد تكون محفزًا ودافعًا لمزيد من الجهد الأمر الذي يرفع معدل النشاط والقدرة والهمة لدى الفرد للمواجهة والتحدي، وهذا ما يمكن ملامسته في التحدي الذي يعيشه العالم اليوم في ظل جائحة كورونا.
فالمسار الذي يتم تحديده وفق خطة معينة يُعد قاعدة هامة من أجل تأمين ما يحتاج إليه الفرد مهما كانت الظروف في هذه الفترة الحرجة التي شكلت جبلاً جليديًا يمكن أن يتعرض للذوبان عندما يتحلى الفرد دائمًا بالعزيمة والإصرار والقدرة على استدراك مختلف الجوانب ومتابعة الخطط المحددة برؤية واضحة على وفق المسارات المحدثة التي لا تؤدي للتراجع عن الهدف والتي تبين طبيعة القائم عليها والفكر الذي يتحلى به لتنفيذ ما خطط له بعيدًا عن مقياس الصدفة. وما نراه اليوم من تراجع في كثير من الجوانب الحياتية وانحسار العديد من المشاريع الاقتصادية والمواقف والتوجهات وتضارب الأفكار بين النجاح من عدمه نتيجة الجائحة يبرز مدى الحاجة إلى إيقاظ الثقة بالنفس والعمل على موائمة الفكر بما يحدث حتى يتمكن الفرد من الالتزام بالخطط دون يأس وإعادة بناء المسار وفق المعتاد دون التراجع إلى الوراء مهما كانت المسببات في أي عمل يقوم به بلا استسلام.
كما أن بعض الأفراد قد يحاولون الانحراف عن المسار المحدد مما يعني الولوج إلى مسارات جديدة غير مدروسة أحيانًا قد يكون لها أثرها السلبي مما قد يؤدي إلى حدوث مشكلة قائمة على تخطيط وفكر متسرع، وهذا ينعكس بطبيعة الحال على الاستسلام للموجود والأسهل مما يعني ضعف تفعيل المهارة في إدارة التخطيط، وتعطيل مسارات الإبداع والابتكار نتيجة جمود الفكر والإحساس بانخفاض الدافعية والقدرة على التأقلم مع رؤية المسار الذي تم نسجه مسبقًا بشكل يتناسب مع التوجه الذي حدده الفرد في حياته ليبدأ بالتغاضي عن مساره وإحلاله بمسار أبسط ليكون بذلك هدمًا وليس إعمارًا. فالواجب على الفرد في ظل ظروف جائحة كورونا أن يعمل على دراسة معطيات الهدف بالتغذية الراجعة للمسار السابق بما يتماشى مع الوضع الحالي دون التسبب بتعطيل أي جانب من جوانب الهدف المرجو تحقيقه لتكون بذلك للفرد في مختلف أعماله أحد الدروس التخطيطية المستقبلية للحالات الطارئة.
لذلك نجد أن أهم ما يمكن العمل به في التخطيط أن يكون مستمرًا وقائمًا على قواعد تطويرية وليست رجعية منسجمة ومعايشة للاحتجاجات الحالية على وفق أدوات التقنية الحديثة ودورها في تيسير وفتح المجال لتكييف الخطط السابقة بالخطط المحدثة، وهذه الجوانب تبرز فيها الصفات الشخصية للفرد القائم على قيادة التخطيط مهما كانت الظروف، فقد أصبحت هذه الجائحة المقياس لكثير من الجوانب التي أبرزت طبيعة إدارة التخطيط وآلية التعامل مع أي قرار قد يحتاج إليه الفرد في حياته من خلال عملية إعادة ترتيب المسارات على وفق رؤية واضحة تتناسب مع طموحاته الذاتية لتكون قاعدة هامة للبناء والتطوير من أجل تحقيق ما يصبوا إليه من أهداف بطريقة منسجمة مع التغيرات والتهديدات وموائمتها مع مسار الأهداف على وفق خطة محكمة تنظر للمستقبل وتُعد له العدة والعتاد لما قد يحدث أو يقع بالتكيف مع هذه التصورات من خلال الاطلاع على المخطط له مسبقًا والنظر لخطط الحاضر والقراءة المتوقعة للخطط المستقبلية في أي عمل أو توجه يخطط له الفرد في حياته.