التعليم الإلكتروني بين مؤيد ورافض
محمد بن أحمد البرواني
يكثر الحديث الآن عن فعاليات التعليم الإلكتروني من عدمه لأسباب يضعها المجتمع وفق ممارسته وحياته، ويضعه القائمون على التعليم كتعليم بديل وقت الأزمات، والتعليم الإلكتروني وإن كان بديلاً وقت الأزمات إلا أنه متوافر ويعمل به في كثير من الدول، وخاصة الجامعات في هذا العصر المتقدم والمتطور تكنولوجياً، إلا أن استخدامه في مراحل التعليم الدنيا لم يحدث إلا حالياً بهذا الاتساع، ولم يعمد على استخدام هذا الأسلوب من التعلم بشكل شمولي.
إن مثل هذا التعليم يتطلب شبكة اتصال سريعة ومتوفرة في عموم أرجاء الوطن للتعامل مع فئات الطلبة المختلفة، وكذلك المعرفة التامة في الاستخدام، سواء كان للمعلمين أم الطلاب، وكل ذلك يتطلب ممارسة فعلية وتعوَّد مستمر حتى يتم إحداثه ، ولا يتم ذلك إلا بالبدء، وتوفير الأدوات التي تساهم في إنجاح هذه الممارسة؛ من شبكة اتصال سريعة وتدريب وغيره من الأمور، ولكي نصل إلى مرحلة الذروة في التغيير لا بد أن تكون هناك مقدمات تعمل على تسهيل الوصول إلى الممارسة القصوى، وبالتالي التعوَّد الذي يجعل الطلاب والمجتمع يتماشون مع التنفيذ من خلال الأدوات والخيارات المتاحة التي تتغلب على ضعف الشبكة وانعدامها في أماكن عدة، خاصة وأن التعامل مع فئات عمرية مختلفة من الطلاب يختلفون كل الاختلاف عن الطلاب في المرحلة الجامعية، ومن هذه الأدوات التي يمكن الاعتماد عليها والاستفادة منها؛ وسائل التواصل كالفيس بوك والانستجرام والتلجرام والبريد الإلكتروني والواتساب وغيرها، والتي تتيح للمعلم البث وإرسال الفيديوهات والأنشطة المختلفة التي يمكن للطلاب الحصول عليها بكل بساطة ونقاوة في كل وقت، وكذلك إعطاء المعلم الصلاحية في التواصل مع طلابه، خاصة نحن كأولياء أمور مشاركون في مجموعات -واتسابية- للتواصل مع المعلمين، وكم من التجارب التي أقامتها المدارس في ذلك، فلك أن تتصور مدرسة في جبل شمس تقيم برنامجاً لرفع مستوى الطلبة في مادة اللغة الإنجليزية من خلال التواصل مع أولياء الأمور، وتقديم الأنشطة والفعاليات من خلاله عبر وسائط التواصل، ونجاح البرنامج حاصل في هذه المدرسة، كما يمكن توزيع الكتب على الطلاب وترك الحرية لهم في التعلم والاعتماد على النفس، على أن يقوم المعلم بتقديم الأنشطة والفعاليات وفق الطريقة التي يراها في ذلك، والعمل على متابعتها وتقويمها، ويمكن للطالب التواصل مع معلمه عندما يرى أنه بحاجة لذلك، ويترك للمعلم حرية تقويم طلابه وتقييمهم، على أن يتاح لإدارة المدرسة ومشرفي الأنشطة التي عمل على تقييمها والاستفادة من منصة التعليم في ذلك.
إن إعطاء الطلاب الفرصة في الاعتماد على الذات واستغلال الأزمة فيما يعود بالنفع، والعمل على استمرار عملية التعلم أمر في غاية الأهمية، فالعلامة الشيخ محمد بن شامس البطاشي ترك أهله بمحض إرادته وذهب ليتعلم في نزوى،أبلغ بني بطاش أن محمداً ساع إلى طلب العلوم وغادر.
ويروى عن العلامة جمعه بن درويش المحروقي بأنه يزجر على ثور ليسقي مزرعته، وفي أثناء قيامه بالزجر يضع الكتاب في أسفل الخبّ، فإذا وصل الدلو في قعر البئر استغل تلك الدقائق فيفتح الكتاب، ويقرأ منه أسطراً حتى تمتلئ الدلو، كما أن نظام المراسلات في السؤال والجواب بمختلف العلوم والذي تعود عليه المتعلمين في عمان خير دليل على التعلم عن بعد، كيف ونحن الآن في الزمان الذي تعتبر فيه عملية الاتصال والتواصل لا تتطلب الثوان في الإرسال والتلقي على مختلف أنحاء العالم، والذي استفادت منه دول كماليزيا وسنغافوره في تعزيز الطلاب وإكسابهم الخبرات في حل المسائل المختلفة من خلال التواصل مع أقرانهم في دول أوروبا.
إن حضور الطلاب للمدرسة في ظل هذه الأزمة لا يعد ضرورة حتمية وأمر واجب للعمل به، لكن إحداث التعلم هو ضرورة أخروية قبل أن تكون دنيوية يتطلب العمل به، والخيارات مفتوحة ومتاحة والبحث والاستكشاف سمة المتعلمين وسبيل الرقي والتقدم، ووسيلة مثلى للمعرفة والتدبر حيث قال الله عز وجل في محكم كتابه: (( وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)))- الأنعام.