كُن رقماً صعباً في التفاوض
رقية الفورية
يقول الكاتب الإيرلندي الشهير جورج برنارد شو:
“التفاوض هو فنّ تقسيم الكعكة بطريقةٍ ينصرف بعدها كلٌّ مِن الحضور معتقدًا أنه حصل على الجزء الأكبر”.
التفاوض هو أسلوب حياة يُمكّن الفرد من النجاح في حياته، إذ إننا نمارس التفاوض يومياً في المنزل مع شريك الحياة / مع الأبناء /في العمل /مع الإدارة /أو عميل في المتجر / وربما مع ذواتنا أيضاً.
حتى نجعل مفهوم التفاوض بسيطاً ونشرح لك كيف يمكن لهذا الأسلوب أن يدخل في حياتنا اليومية، سنقدّم لك مثالاً بسيطاً يقرّب الفكرة أكثر إلى ذهنك.
زينب، تريد الذهاب إلى التسوق، فكّرتْ في أن تطلب من أخيها مازن أن يرافقها، ولكنّ مازن في هذا اليوم لديه تدريبٌ في النادي، ورغبةً من زينب في أنْ لا تذهب بمفردها دعتها نفسها إلى التفاوض مع مازن، ولكنْ كيف تقنعه؟
تحدّثتْ معه بهدوء، عرضتْ عليه الفكرة، استمعت إليه رغم علمها المسبق أنه سيرفض.
عرضتْ عليه عرضاً قد يسهم في إقناعه:
ما رأيك في أنْ تأتي معي إلى التسوق، وأشتري لك عرْضَ العطر الذي أحببتَه ولم تشترِه مسبقاً لعدم توفّر ثمنه معك.
أنا قلقة لأنه إذا انتظرتَ إلى نهاية الشهر، قد ينتهي العرض، وقد تخسر فرصة شرائه و الاستمتاع به، “كما أعلم أيضاً أنه يمكنك الذهاب غداً إلى النادي، طالما أنك في إجازة لمدة أسبوع”.
أُعجب مازن بالفكرة و رأى العَرض مغرياً، فوافق على الذهاب وأدّى التفاوض بينهما إلى نتيجةٍ إيجابية.
أَذكر قصةً مشهورةً لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عندما تفاوض على شروط صُلح الحديبية؛ إذ إنه لم يتنازل عن هدف التفاوض الاستراتيجي بأداء مناسك العمرة، بل تنازل عن رُتوشٍ وصغائر دون أنْ يُغيّر الثوابت، فلم يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ مشكلة في كتابة «بسمك اللهم» بدلاً من «بسم الله الرحمن الرحيم»، كما أنه لم يجِد أيّ مشكلة في كتابة «محمد بن عبدالله» بدلاً من «محمد رسول الله»، … إلخ؛ لأن الثوابت من تحقيق الهدف باقية.
فقريشٌ أرادتْ ألّا تقول القبائل عنها أنها انصاعتْ للرسول فحقّق لهم ذلك مِن خلال قبول تأجيل العمرة إلى العام القادم فالكلّ خرج رابحاً مع تحقيق الهدف.
وقد اعتمد التفاوض على:
1- اختيار شخصية المتفاوض المَرِنة وهو سهيل بن عمرو من طرف قريش.
٢- التحدث بهدوءٍ وثقةٍ بالنّفْس دون تشنّجٍ أو انفعال.
2- فسَح المجال له للتعبير عن رأيه في إبداء شروطه.
3- التركيز على تحقيق مكاسب لقريش من خلال تأجيل الهدف إلى العام القادم.
4- الموافقة على عرضٍ مُغرٍ وهو هدنةٌ لمدة عشر سنوات.
5- التعبير عن بدائل لأي عَقبةٍ تعوق الاتفاق لكي يخرج الطرفين رابحين.
هل تكوّنت لديك فكرة وافية عن طريقة استخدام تقنيات التفاوض؟
فنّ التفاوض ليس له أسُسٌ ثابتة أو مُتّفقٌ عليها، لكنْ هناك عناصر تتحكم فيه وهي:
– المتفاوضون.
– الموضوع المتفاوض عليه.
– أسلوب التفاوض، و أسلوب التفاوض هذا يعتمد على شخصية المتفاوض و مدى تمكّنه من مهارات التفاوض.
في البيت مثلاً عندما يَطلب منكَ ابنك شِراء هاتفٍ بقيمةٍ مُعيّنةٍ ربما تفوق قدرتك المالية، فعليك مفاوضته حتى تصل إلى اتفاقيةٍ ترضي جميع الأطراف دون الإخلال بالثوابت في تحقيق الأهداف.
وهذه قد تكون إحدى أسباب التفاوض.
ربما تجد موظفاً يفاوض مديره على زيادة الراتب والمدير غير مهتمّ بذلك، ففي هذه الحال إذا اعتمد الموظف أسلوب الضغط فيجب أنْ يدرك أنّ ذلك سيؤثّر على علاقته المستقبلية بمديره، لذلك يجب أنْ يتمّ الوصول للهدف مِن خلال تحقيق الربح للطرفين.
وإليك بعض المهارات التي يجب أنْ تُتقنها في التفاوض:
1. ركّز على جوهر التفاوض وأهدافه الاستراتيجية، واترك سَفاسِف الأمور وصغائرها.
2. أَحكِم ردة فعلك، ولا تتعصّب لرأيك حتى وإنْ كان الحقّ معك، فلا تكُنْ شديد التسامح ولا مُفرط التزمّت.
3. اصغِ إلى وجهة نظر الطّرف الآخَر واحترمها بدلاً من المُخاصمة.
4. انظر إلى المسألة المتفاوَض عليها من الأعلى، واجعل الطرف الآخَر يَشعر أنك شريكٌ له ولستَ ندّاً.
5. بدلاً من الصِّياح وتبادل الاتهامات، اِجعل الطرف الآخَر يفهم أنَّ هنالك مشكلة مشتركة لابدّ من التعاون في حلّها للوصول إلى ( نعم ) أو (رابح / رابح)، فالتعنّت لن يوصلكَ إلى شيء.
6. دع الطرف الآخر يشعر أنك لا تفرض عليه شيئاً هو لا يريده، وأنَّ الأمر في صالحه أيضاً.
7. اترُك الفرصة للطرف الآخَر لتحقيق أغراضه بأسلوبك أنت.
8. لا تجعل الحلّ يصدر منك لأنّ الطرف الآخر سيرفضه باعتباره نصرٌ لك، اجعله وكأنه صادرٌ منه واحفظْ ماء وجهه، واتركه يشعر بأنه انتصَر.
فمن الأخطاء الشائعة التي يقع فيها الغالبية هو خوض المفاوضات وجُلّ تركيزهم على النتيجة، دون التركيز على العمل الصحيح، وسَير عملية التفاوض بحدّ ذاتها وهي تكمن في الاسئلة الآتية:
س/ كيف أحقّق الهدف؟
س/ من هم الشركاء المساندون لعملية التفاوض؟
س/ ومن هم صُنّاع القرار؟
وهناك قاعدةٌ تقول: ركّز على العمل الصحيح، وليس على الخطوات الصحيحة.
فآخِر ما تتوقّعه هو أنْ تظنّ أنكَ انتهيت بعد أنْ تُقدّم أفضل عروضك، ليصدمك الطرف الآخر بالقول: (حسناً، سأحيل الأمر إلى صاحب القرار، وسنرى إذا ما …) لحظة! هذا يعني أنّ هناك صانع قرارٍ آخَر، وعملية تفاوض جديدة! لذلك ولتوفّر على نفسك العناء؛ احرص من البداية على العمل الصحيح وهو مفاوضة شخصٍ مفوّضٍ بصناعة القرار.
أخيراً: يجب أنْ أؤكد أنّ الهدف مِن التفاوض هو إرضاء الطرفين مع تحقيق الهدف، وإنْ لم يكُن كذلك فعليك الانسحاب في الوقت المناسب، ويجب أنْ تؤمِن أنه ليست كلّ المفاوضات ناجحة وتوصِل للهدف؛ فهناك مفاوضون استغلاليون يرفضون تقديم التنازلات وما زالو يعيشون في دوّامة أنّ التفاوض هو مسألة طَرفٍ فائزٍ و طرفٍ خاسر.