الحياة تفاؤل
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
كلما أتذكر قصة النملة؛ يزداد تفاؤلي في الحياة، وبالحياة كذلك، لأنه ثمة عمر باق – في علم الله – يتيح لنا أن نضيف لبنة رطبة في مشروع الحياة الكبير، وما دمنا مع هذا المناخ التفاعلي الذي نعيشه، ونوظفه في مختلف مشاريعنا، فإننا بذلك نضيف أعمارا أخرى على أعمارنا المكتوبة في اللوح المحفوظ، وما دمنا كذلك يمكن لنا أن نجد مخارج كثيرة لمشاكل حياتنا اليومية، ويمكننا كذلك أن نسهم في حياة الآخرين من حولنا، بالقدر الذي يتيحه لنا الآخرون.
يقينا هناك الكثيرون ممن يعرفون قصة النملة، وهي أن النملة عندما تعترض طريقها حجرة كبيرة وهي ذاهبة إلى مملكتها أو خارجة منها، فإنها لا تقف حائرة في طريقها، وإنما تتلمس طريقا جانبيا آخر يتيح لها المرور الآمن إلى وجهتها، ولا تجهد نفسها في تسلق هذه الحجرة الكبيرة، هذه النملة؛ هذا الكائن الضعيف تعيش بهذا التفاؤل، فما بالنا نحن البشر، المسنودون بقوة العقل، وبقوة العضل، ومع ذلك نحتار في كثير من جوانب حياتنا، ونقف عاجزين أن تلمس مخارج أخرى لمجموع المشاكل التي تعترضنا، إنه فشل في مفهوم الحياة، عندما نصل إلى هذه النقطة من قلة الحيلة، والعي؛ صحيح المقولة: “إنما المرء في المحنة عي”، ولكن هذا الـ”عي” لا يجب أن يستمر طويلا في ظل معطيات العقل الراجح، والإيمان الواضح، والتجربة الطويلة، والنفس المترعة بالتفاؤل.
وإني لمعجب جدا؛ بهذا الإنسان، وأرى ذلك قوة وتميز، وهو يعيش كل هذه السنين من العمر، تصل بأحدهم إلى (100) عام من معترك الحياة، ومع ذلك تجده يعيش حياة ملؤها التفاؤل، ويعيش بين الناس، فيختلط بآرائهم، وأقوالهم، ومشاكلهم، ولا يرى في الحياة إلا وجها ناصعا، وإن كدرته بعض المواقف هنا أو هناك، والدليل على تفائله هو أنه يعمل، وأنه يضحك، وأنه ينم قرير العين، وأنه يخرج من بابه متجها إلى مسارات كثيرة هنا أو هناك، وأنه يزور فلان، ويعود آخر، وأنه يأخذ بكل مباهج الحياة، وقد يسرف في ذلك، في بعض المواقف، هذا كله دليل تفاؤل لا ينقطع، وإنني لأجله عن معيشة بعض الكائنات في هذه الحياة؛ كما ينزله البعض فيها، وأكبر فيه هذه الهمة، فالحياة وجدت لتبقى ولتتطور، ولتزهو.
وإن كان يقلقني بعض الأحيان نبرة التشاؤم وضيق الخلق التي يبديها البعض في مواقف كثيرة، وكأن الحياة ولدت لتموت في تلك اللحظة التي يعيشها هذا أو ذاك معيشة الكدر للكدر، ومعيشة الضنك للضنك، ومعيشة القسوة للقسوة، ومعيشة المأساة للمآسي، ومعيشة الضيق للضيق، فلِمَ كل هذا الشحن، ولماذا كل هذا الاحتقان، ولماذا كل هذه السوداوية المعتمة، وعندما نعيد الرؤية البصرية في أجسامنا نجدها، والحمد لله، سليمة، فأبصارنا سليمة، وآذاننا سليمة، وأطرافنا سليمة، وحياتنا سليمة مستقيمة، ومشاعرنا في كثير من الأحيان هادئة، وفي المقابل هناك من يفتقرون كل هذه النعم، أو جزء كبير منها ومع ذلك نجدهم متفائلين، يضحكون بملء فيهم، وينامون بملء جفونهم، ونقول: “الحمد لله الذي عافانا، مما ابتلى به غيرنا”.
حياتنا ولدت منذ نشأتها الأولى، وهي تعيش حالات التناقض المستمرة: ليل يعقبه نهار، وفقر يعقبه غنى، وضيق يعقبه فرج، وقحط يعقبه خصب، وظلم يعقبه عدل، وغمة يعقبها ضياء، وهذه المتضادات وغيرها هي التي تبعث التفاؤل في النفوس، وهي التي توسع الطرق الضيقة نحو الحياة، وهي التي تبهج النفوس بعد قنوطها، وهي التي تزيل اليأس من نفوس أصحابها، وهي التي تنبت فلا وياسمينا على جانبي الطرق الممتدة، فارحموا أنفسكم تظلون رائعين، ولا تقسوا على قلوبكم فإنها وجدت لتسعدكم، لا لتزيدكم هما وغما.