نجا بإعجوبة
خميس بن محسن البادي
رجل ينجو بأعجوبة من بين فكّيْ تمساح،، امرأة تنجو بأعجوبة من مخالب وأنياب نمر،، نجاة طفل بأعجوبة سقط من الدور الرابع،، انحراف سيارة من خط سيرها وسقوطها من علوٍ في منحدر سحيق ونجاة سائقها بأعجوبة، وغيرها من (الأنجية ذات العلاقة بالأعجوبة) التي تنتهي إلى مسامعنا بصفة شبه يومية…..
كلمات وجمل نقرأها أو هي أخبار نسمعها من هنا وهناك عبر مختلف وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي وعلى منابر ما يعرف بالتواصل الاجتماعي، هذه (الأعجوبة) التي نجا بموجبها مخلوق ما من عارض ما تعرض له، كيف وصلتنا الكلمة ومن أين وأنـــّى لها سلاسة الولوج هكذا في مجمل أحاديثنا؟.
لا خلاف أننا على بيّنة جليّة بأن الكرة الأرضية تعج بأصناف من البشر باختلاف ألسنتهم ومعتقدهم والمِلل التي هم عليها والذين لهم صولات وجولات واجتهادات شخصية منهم، سواءً بشكل فردي أو جماعي نحو صياغة وكتابة أنواع شتى من المراسلات والتقارير، بما قد يصاحب ذلك من استحداث لمختلف الكلمات والعبارات والفقرات التي قد يعتبرونها معاصرة وآخذة في الانتشار، لا سيما في الأوساط الإعلامية ومن قبل الجميع عرباً وعجماً وذلك باختلاف مشاربهم، فقد تكون هذه الكلمة التي نحن بصدد الحديث عنها عبر هذا السياق قد جاءت من العجم،، النصارى واليهود خاصة وترجمها العرب وضمّنوها في مجمل مراسلاتهم وتقاريرهم الإخبارية أو من العرب أنفسهم سواءً من غير المنتمين للإسلام الذين يجهلون حقيقة النجاة أو من المسلمين أنفسهم حيث عملوا بها بجهالة منهم أو عن غير قصد، أو ربما تكون هذه الكلمة قديمة عند العرب منذ ما قبل الإسلام، ولذلك قد ينطبق ترديدها والعمل بها لدى بعض الأقوام بينما يكون ثمة تحفظ عليها لدى المسلمين خاصة، وهو ما يجب أن يكون كذلك فعلاً ليس لأنها نكرة وإنما لعدم اتفاقها في المنطق لدى كل من ينتمي إلى دين الإسلام الحق، الذي يعي معنى الإيمان المطلق استناداً إلى كونه مسلماً يعلم يقيناً وحفظاً عن ظهر قلب أركان الإسلام الخمسة وأركان الإيمان الستة، حيث يحث علماء اللغة والدين الإسلامي الحنيف على انتقاء الكلمات العربية البليغة والثابتة على أهدافها السامية كلغة عربية واضحة، باعتبار أن ديننا الحنيف جلي الوصف بليغ المعاني في القول سواءً المنطوق منه أو المكتوب والمستمد بلاغته من كتاب الله تعالى والأحاديث النبوية الشريفة، وكذلك أقوال وألفاظ قدامى العرب التي إذا ما استخدمت أقوالهم وألفاظهم تلك يشترط أن تكون متفقة مع نهج كتابه عزّ وجلّ وسنّة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلّم وإلا فتركها من المسلّمات، لأن الواجب هنا يحتم علينا قبل استعمال أي مصطلح دخيل أو مشبوه في صدق وصحة مفهومه أن نسقطه من أحاديثنا الخطية والقولية حتى لا يتعارض مع عظمة وقدرة الله تعالى وإلى تعاليم ديننا الحنيف تجنباً للوقوع في الخطأ.
وشخصياً لا أؤمن البتة بهذه الكلمة (نجا بأعجوبة) المجرّدة من ذكر إرادة الله سبحانه وتعالى، وذلك باعتبار أننا منتمين بكل عز وفخر وشرف إلى أمة لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً رسول الله عبده ورسوله، حيث أنه من منطلق إيماننا المطلق ويقيننا التام بأن الموت والحياة إنما أمرهما قضاءً وقدراً بعلم و مشيئة الله سبحانه وتعالى مصداقاً لقوله عزّ و جلّ في سورة آل عمران الآية-145-{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}صدق الله العظيم.
(وقد ذكّرتني هذه الآية الكريمة بحادثة الطفل الذي مات بسبب منقذه،، حيث كان طفلاً عالقاً في جانب من منزل ذويه وليس أمامه إلا السقوط من ذلك الارتفاع فرآه أحدهم كان يسير في طريقه فتوقف له وساعده في النزول من ذلك العلو والموقف العصيب، ورأى أن يبلغ والده الذي كان يتواجد في الداخل دون علمه بما تعرض له ابنه بذلك الوقت من الظهيرة، فخرج الأب على قرع الباب حيث فاجأه المشهد وهو يرى ابنه مع ذلك الرجل الذي قص عليه قصصه، وهنا دعاه لتناول القهوة كجزء من رد جميل صنيعه له من غير أن يترك له مناصاً من عدم قبوله الدعوة، فقبل الرجل دعوته وتبادلا أطرافاً من الحديث وهما يتناولا قهوتهما، ومع استئذان الرجل بالمغادرة من مستضيفه وبينما هو يرجع بسيارته للوراء دهس ذات الطفل الذي أنقذه قبل قليل فمات،، لأن الله سبحانه وتعالى قد أذن هنا أن تموت تلكم النفس حيث دنو الأجل منذ أن كان عالقاً، وبذلك انتهى الكتاب المؤجّل مسبباً بالطريقة التي كان طرفها منقذه.
إذاً، يا من يلهج لسانك وتترنم حنجرتك بــ(نجا بأعجوبة) في مقالاتك وسائر تقاريرك سواءً تلك التي ستسطّرها على القرطاس في بضع كلمات أو التي ستلقيها ارتجالاً من الميادين أو من على منابر المنصات، من هو هنا صاحب هذه الأعجوبة الذي نجا بسببها بطلك الناجي من حادثته التي اعترضته، أليس الله عزّ وجلّ الذي أنجاه والذي بيده تصريف أمورنا كافة وتسييرها كيفما يريدها لنا سبحانه وتعالى،، فلو كان أجل ذلك المخلوق قد كتبه الله أن يكون انتهائه نتيجة تعرضه لذلك الحادث الذي ذكرت أنه نجا منه بــ(أعجوبة) لما نجا كون حياته مقدّر لها من الله تعالى أن تنتهي عند ذلك العارض وإنهاء الله بذلك لكتابه المؤجّل، لكن الله سبحانه وتعالى بقدرته وإرادته الربانية أنجاه من خطر الموت الذي كان محدقاً به دون أن يأذن جلت قدرته لتلكم النفس أن تموت، لكن شاءت أقداره جلّ في علاه ألا يموت ليمد في عمره مدة أخرى، وقد يكون أراد له إصابة من نوع ما دون الموت أو أراد له النجاة سليماً معافى من أية إصابات فتلك إرادته وقدرته وتلك مشيئته سبحانه وتعالى، وما أنجاه ربنا عزّ وجلّ إلا لاعتبارات ربانية يعلمها وحده سبحانه وتعالى، وعلينا نحن أن ندرك أهمية ذلك باعتبارها عظة لنا نتعظ بها ويعتبرها كل من لا يعتبر بأن الله وحده هو المنجي دون سواه، وما المخلوق إلا سبباً في تجنب المهالك والمخاطر وحتى المنقذ منهم هو سبباً لذلك أيضاً.
من هنا ندرك أنه لا نجاة (بأعجوبة) وإنما أنجاه الله بقدرته الإلهية من خطر الموت الذي كاد أن يودي بحياته لو لا إرادته عزّ وجلّ حالت دون ذلك،، هكذا يجب أن تصاغ العبارات التي تخرج عن المسلم أينما كان موجودا، وهو تضمين قدرة الله تعالى في مثل هذه العوارض إيماناً منا واعترافاً بقدرته عزّ وجلّ طالما آمنا ولله الحمد إيماناً مطلقاً بالله رباً لا معبود سواه وآمنا أنه هو الذي بيده تصريف وتسيير أمورنا كافة في هذا الكون الواسع ببره وبحره وجوّه وحتى فضائه الخارجي حيث المريخ والقمر وأشقائهما… {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴿ 180 ﴾ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ﴿ 181 ﴾ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿ 182 ﴾} صدق الله العظيم،،سورة الصافات.