2024
Adsense
مقالات صحفية

عندما تكون في غير بلدك

حمد بن سالم الفلاحي

shialoom@gmail.com

يتداول الناس، هنا في السلطنة، وخاصة كبار السنّ منهم؛ مثلاً يحمل دلالةً معنويةً مُهمّة في شأن الحِفاظ على الهويّة والانتماء، ونصّ المَثل هو: “في بلدكَ بأصلك؛ وفي بلد غيركَ بلبسك”، فأنتَ في بلدكَ لا تحتاج إلى كثيرٍ مِن التمظهُر، فمعروفٌ عنكَ كلّ شيء، ولا تحتاج إلى أنْ تتّخذ مجموعة من التمويهات سواء في اختيار اللباس الذي يُظهرك من ذَوي الجاه والنفوذ، أو في اقتناء الأدوات الضخمة والغالية في منزلكَ أو في حياتكَ اليومية الأُخرى، فكلّ ذلك مطلوبٌ عندما تتوفر المادة الوفيرة بين يديك، أمّا في غير ذلك فأنتَ لا تحتاج إلى أنْ تكلّف نفسك، وتُحمّلها ما لا تطيق لأجل الاهتمام بالمَظاهر؛ حيث يبقى “كلّ إناءٍ بِما فيه ينضح”، وإنْ كانتْ النفس الإنسانية مجبولةٌ على حُبّ المَظاهر.
في بلد غيركَ أنتَ مُحتاجٌ لأنْ تُحافظ على الحدّ الأدنى مِن هذه المَظاهر، على الأقلّ، حتى لا تُثير اشمئزاز الناس بك، بمَظهركَ غير المألوف، فهذا الحدّ الأدنى يُوقيكَ عَتب النّظرات، ورُوح الشَفقة، ويقيناً سوف يعكس شخصيّتكَ الظاهرية في لحظة التقاء النظرات بمظهركَ الذي تكون عليه، فمظهركَ في بلد غيركَ عنوانُ هويّتك وشخصيّتك، والناس لا يريدون شيئاً مِنك؛ سواءٌ هُنا أو هناك، فقط لتحافظ أنتَ على شيءٍ مِما يحميكَ مِن لَسعات التقييم التي تُرسلها النظرات إليكَ بين كلّ فترةٍ وأُخرى.
يأتي هذا الحديث هنا اليوم، انعكاساً لِما نُشاهده في بلدِ الغَير مِن مَظاهر مُعيبة، يتعمّدها بعض شباب هذا البلد؛ عندما يكونون خارج الحدود، وهذا ما يؤسَف له حقاً، أنّ هؤلاء شباب، فالشباب مَقرون دائماً بحالة النزق في كلّ شيء، في الملابس وغير الملابس، وهذا حقّهم “فعُمر الشبيبة يبد عذر صاحبه” على غير المستساغ لدى كبار السنّ “ما بالُ شيبة يستهويه شيطان” الشطر الثاني مِن بيت الشِّعر، على أنّ الشبيبة أيضاً منكورٌ عليها الخروج السافر عن قِيَم المجتمع، فدشداشة النوم لا تُعبّر إطلاقاً عن هذا النزق، وإنْ كان لها حقّ تلبُّس القناعات التي تؤمن بها إلى حدٍّ ما، والحديث هنا يسترسل أكثر حول ما نراه من ارتداء الشباب لملابس بما يُسمى “البيجاما” أو دشداشة النوم الخاصة؛ والخاصة جداً، لأنه يُفترض – وحسب التسمية – أنْ لا تغادر هذه الدشداشة غرفة النوم، وأقصى حدّ مُحيط المنزل الذي يكون فيه الفرد، للخصوصية التي تحملها هذه الدشداشة، لأنّ مظهرها غالباً يعكس أنها تعيش معتركاً حامي الوطيس مع السرير، لتقلُّب صاحبها يُمنةً ويُسرة أثناء النوم، ولذلك يبدو لكَ مظهرها وكأنّ صاحبها ارتداها بعد معركةٍ عاشتها مع السرير الذي نام عليه.
نرى اليوم هؤلاء الشباب الذين يرتدون “دشداشة النوم” في المساجد، والله تعالى يقول: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد …) وفي الأسواق، وفي الأماكن العامة، بلْ وصلَ الأمر لأنْ ترى مثل هؤلاء الشباب في المناطق الحدودية، بل وفي أسواق الدول المجاورة؛ في حالةٍ مُعبّرةٍ عن يأس، وربما عن عدم مبالاة، وعن عدم الشعور بالمسؤولية، وعن عدم الاعتزاز بالهوية، صورة متكررة، ولكنها مقزّزة، وتعبّر عن جهل من يعيشها في مُختلف هذه الأماكن؛ حيث تُثير حولَهم نظرات الاشمئزاز والسخرية، فتتقاذفهم النظرات المعيبة، والرافضة لمثل هذا السلوك، والمُفارقة النوعية في هذا الموقف بالذّات؛ أنْ تجد هذا الأخ الذي يرتدي هذه الدشداشة الـ”متعفّسة” بألوانهم المتعددة؛ يقود أضخم أنواع السيارات؛ في حالةٍ مِن التناقض الغريب.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights