لِمَنْ تَقْرأُ زَبُورَكَ يا داؤود!
د. رضية بنت سليمان الحبسية
يُعَدُّ النجاح الوظيفي من أهْمِ أساسيات النمو المجتمعي، وهو من الغاياتِ العظمى التي يسعى إليها بعضُ العاملينَ؛ بهدفِ تحقيق التميّز. وهذا لا ينتجُ من فراغٍ بلْ يحتاجٌ إلى الكثيرِ من الجهدِ والإخلاص في العملِ. ولكنْ، هناك فئةٌ من الناسِ لا يستطيعونَ بُلوغُ النجاحِ إلا متسلقينَ على أكتافِ الآخرينَ.
فالمتسلقُ قليلُ المعرفةِ والكفاءة لإنجازِ أعماله. ولتعويضُ النّقصَ في كفاءتهِ ومعرفتهِ، يتصرفُ تصرفاتٍ بعيدةٌ عن النزاهةِ وأخلاقياتُ العمل الإداري. فالإدارةُ بالتسلقِ هو أقربُ ما يمكن وصفِهم به؛ لأنّهم يُحاولونَ التّسلقَ على جهودِ الآخرينَ؛ ليخطفوا الأضواءَ من أصحابِ الجهدِ الحقيقيينَ، ولكنهم سُرعان ما يسقطون وتلعبُ بهم الرياحَ كما تتلاعبُ بأوراقِ الأشجارِ في فصلِ الخريفِ، فما بُني على باطلٍ فهو باطلٌ. ولكنْ: لِمنْ تقرأً زبوركَ يا داؤود!
المتسلقونَ لا يَملِكونَ فِكرًا أو رُؤيةً أو قُدرةً على الإبداعِ، ففي كثيرٍ من النجاحاتِ هي حصادٌ لما يزرعه الآخرون. إنّهم كالنباتاتِ المتسلقةِ، لا تستطيعَ أنْ تَشُقَ طريقَها إلّا اعتمادًا على غيرِها. والغريب أنّهم لا يخجلونَ من أنفسِهم، ويدّعونَ بأنّهم الأفضلُ والأجدرُ بالثقةِ، وفي حقيقةِ الأمر غايتُهم الأسمى هي الوصول إلى مستوياتٍ وظيفيةٍ أَعلى لا أكثرَ على حسابِ المثُل والقيم والعلاقات المهنية السليمة.
قدْ يُحَقِقُ المُتَسلِقُونَ غاياتهم؛ لأنهم يَعرِفونَ منْ أين تُؤكل الكتفَ، ولكنهم الأَقل قبولًا في المجتمع الوظيفي. فبرغم أنّ الاحتكاكَ بهؤلاءَ أمرٌ حتميٌّ لتسيير الأمور، إلّا أنّ التّعاملَ معهم يُعدُّ معاناةً مستمرةً لأسبابٍ مختلفةٍ، وبالتالي يتم تجاهلهم وتجنبُ التفاعل الجاد معهم. ويُعرفُ ذلك بنظرية القيادة الظرفية/الموقفية Situational Leadership لصاحبها فردريك فيدلر (Fredric Fiedler)، والتي تم تطويرها مِنْ قِبَلِ كينيث بلانشارد ((Kenneth Blanchard وبول هيرسي (Paul Hersey)، التي تشير إلى أنّ السلوك القيادي يرتبطُ بالمواقفِ والظروف المحيطة، إذ يعتمد التّعامل مع الآخرين بحسبِ الظرف أو الموقف.
في ظلِ الظروف الراهنة ومع إعادةِ هيكلة العديد من المؤسساتِ والقطاعاتِ داخلَ المؤسسةِ الواحدةِ، سَيَكْثُر شيوعُ الشَّخصياتِ المُتَسَلِقةِ؛ للتّقربِ من المسؤولينَ الجُدد ومُحاولةُ كسب ثِقَتِهم على حسابِ الآخرينَ، ظنًا منهم بأنّ ألاعيبَهم لنْ تنكشف، مُتغافلِين عن حقيقةٍ هامةٍ، ألا وهي: أنّ أولئكَ المسؤولين لمْ يُكَلّفوا بتلك المناصب إلّا كونهم الأشخاصُ المناسبينَ لها، ولما اتسمْ بهِ جلالةُ السلطان هيثم حفظه الله ورعاه من حكمةٍ قياديةٍ بأنْ وضعَ الشخصَ المناسبَ في المكانِ المناسبِ. يقول ابن القيم:” الخفافيش يُبهـرهـا النـور وتأنس بالظلْمة”، لذا يجبُ الحِرص مِنْ هؤلاءِ الخفافيش المُتَسَلِقة، وعدمُ الانخداعِ بهم. فَهُم أُناسٌ مُحترِفونَ يُقاتِلونَ لأَجلِ الظُّهورِ في إحتفائياتٍ ولقاءاتِ عَرضُ الإنجازاتِ، واستقصاءِ أصحابُ تلكَ الإنجازاتِ بطرقٍ غير مهنيةٍ ولا أخلاقيةٍ؛ للوصولِ إلى أهدافهِم وتحقيقُ مَصالحِهم.
الخلاصة:
يُعْتَبَرُ العَملُ من القيمِ الإنسانيّةِ التي تُساعِدُ على بناءِ وتعميرُ المجتمعِ. والعملُ الناجحُ يُحافظُ على استمرارِ وتطورُ الحياةِ. ولا يأتي النجاحُ الوظيفي مِنْ تلقاءِ نفسهِ، بل يَحتاجُ إلى عَطاءٍ وتطويرٍ متواصلٍ من الأفرادِ. ولكنْ، من السَّيء النَّجاح عَبْرَ الصعودِ على أكتافِ الآخرينَ. إذ يقولُ سبحانه وتعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الذينَ يَفرحُون بما أَتَوا ويُحِبُّون أَنْ يُحْمَدوا بما لم يَفْعلُوا فلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمفازةٍ من العذابِ ولهُمْ عذابٌ أَليمٌ}. (سورة آل عمران، الآية: 188).