حُلم والدي، واقع رآه ناظري “الجزء الأول”
زكية بنت ناصر اللمكية
في يومٍ مِن الأيام فكّرتُ أنْ أجمع عائلتي وأنْ نقوم بزيارة بيت أُسرتنا القديم الذي كان مهجوراً لِما يُقارب ٢٨ سنة.
عند وصولنا تعجبتُ لِما رأيته، إذْ وجدتُ البيت متهالكٌ ومليءٌ بالأتربة والجذوع والأَسقُف المُتساقطة.
وأثناء الزيارة، فكرتُ بأنْ أنظّفه وأُعيد ترتيبه وتهيئته، لعلّ وعسى أنْ يكون صالحاً للجلوس، لكي تتجمّع فيه أُسرتي وجيراني.
ففي نَفس ليلة ذلك اليوم وسبحان الله، رأيتُ في منامي والدي الذي توفَّى منذ ٢٨ سنة، وهو كان متمسّكاً بالبيت، رأيته مع بوابة قصري والناس ينظرون إليه بتعجّب، مع أنه متوفَّى منذ زمنٍ طويلٍ، فسَألوه: ما الذي أتى بكَ يا شيخنا وأنتَ مسافرٌ إلى مكانٍ بعيد؟
فردّ عليهم: سمعتُ أنَّ ابنتي زكية فتحت البيت وحدَها ولا أحد بجانبها فأتيتُ كالعون لها.
وفي اليوم الثاني أسرعتُ بالاتصال بالجيران بأنْ يهتمّوا بنظافة المكان.
وقمتُ بمساعدة الجيران والعُمّال بتسوية الأرض بالإسمنت وغير ذلك كالجُدران التي اندثرتْ على الأرض، وتبقى بعد ذلك أمور الكهرباء وموضوع خزّان المياه وتسليك وترميم دَورة المياه وغيرها لإعادة الحياة له مِن جديد.
كما قمتُ بتوصيل الكهرباء من عند الجيران وفتح وترتيب غرفتان وصالة، والحمد لله أصبح البيت مُهيّئٌ للجلوس فيه.
وما أزال أتمنى لو أنه بمقدوري فتح باقي الغُرف والأماكن المتبقية من البيت، ولكن كانت المفاجأة بأنّ قلبي كان أوسع مِن المكان، حينها أسرعتُ لتجميع نساء القرية والحارات المجاورة والأهالي في البيت والحمد لله، الكلّ سَعِدَ وفَرح بذلك اليوم وهذا ما استطعتُ القيام به في بادئ الأمر.
وتعجّبتُ مِن أنّ المكان كانتْ تملؤه نساء القرية، ولم أكن أعرف بعضهنّ، ولم يعيقهنّ أبداً صِغر المكان فكانوا مستمتعين جداً وفرحتهم عمّتْ جُدران البيت، وكان قلبي ينبض فرحاً وبهجةً عندما رأيتُ النساء يُهلّلنَ بالدّعاء لي بالتوفيق والمغفرة لأهلي.
هذا ما جعلني أواصل مسيرة البيت وتخطّيتُ كلّ العقبات التي تعرّضتُ لها في طريقي وصبرتُ وتحملتُ مِن أجْل رؤية والدي، وواصلتُ مسيرتي مع أنها كانت شاقةً جداً ومتعبة وفيها خطورة.
ولكنها كانت لي كمجرى الماء ولا يوجد أسهل منها ولا زلتُ أشعُر بالسعادة وأنني أسعى للمزيد.
فالعمل التطوّعي فتح لي أبواباً كانتْ مسدودةً وشقّ لي طريقاً آمناً وسهلاً رغم كلّ الصعوبات التي واجهتْني أثناء البحث في المباني القديمة والطُّرقات الوعرة.
وأصبح للبيت مكانة عظيمة في المجتمع العُماني والخارجي.
واستمريتُ في مسيرتي وجعلتُ بيت والدي أوّل خطوة بأن يكون محطّةً لتعليم القرآن الكريم وعمل المحاضرات الدينية والصحية والتثقيفية.
ومع مرور الأيام، اشتُهرت صُوَر البيت عن طريق قنوات التواصل الاجتماعي فبدأ الناس يتردّدون لزيارته دون موعد مُسبَق وعَلمَت الصحافة عنه وجاءت كي تأخذ بعض الصور والمعلومات عن البيت ونشرها في بعض الصحف اليومية.
ومنذ ذلك اليوم تحوّل البيت إلى متحف يرتاده الزوّار من خارج وداخل السلطنة.
ومِن هُنا بدأتْ قصة المتحف وسَير الخير فيه.
☆ وما تزال للقصة بقية، ترقبوها في الجزء القادم بإذن الله.