بقلم أمي
أسماء بنت جمعه المخينية
الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًَا، وأفضل صلاة وتسليم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)}- سورة الذاريات..
الحياة جميلة جدًا ولطيفة بأيامها وأوقاتها ولحظاتها وشهورها وفصولها، وبكل ما قدره العظيم فيها، ونحن فيها باقون ما دام القلب ينبض والروح بين شهيق وزفير.
إنّا نحن كبار السن رواية ألفية الصفحات وكثيرة الفصول، فلكل فصل عنوانًا من الصلابة والاتزان والضعف والحزن والضجيج والاهتزام .. حياتنا فخمة المعاني وقوية الكلمات، بين سطورها منعطفات بين انعراج وضيق وسهالة، وتطرق وتجوب في شقاق أحوالها الكثير من التغييرات.
لم نخلق عبثًا، ولم نأتي للحياة للنزهة؛ فهناك سلالم وعقود من الاقدار تمضي بنا في حقول أعمارنا وتيارات أحوالنا، فمن هم اليوم في عمر العشرين قد مروا ببراءة الطفولة، ومن هم في عمر الثلاثين فقد مروا بعمر النشوة والصبوة العشرينية، ومن في عمر الأربعين تراقصوا مع البهجة الثلاثينية، وهكذا أصحاب الخمسين عاشوا الخريف الاربعيني الناضج، ومن حَالَل الستين فقد تمتع بخمسينية الإدراك والفهم، ومن ركب سلم السبعين والثمانين فقد بدأ يصافح الحياة بشيء من الهدوء والرضى.. مستقبلًا ذلك القضاء الرباني الكريم بشتى أنواعه ومسمياته.
خضنا معارك الحياة بهزيمة كانت أو بفوز، واستنشقنا من رياحينها وزهوة حكمتها، وواكبنا الظروف بزمانها ومكانها وعشنا المسميات الدنيوية بعناصرها وأهدافها وامتحاناتها وانتكتساتها وخيرها وشرها.
طفولتنا ومراهقتنا كانت بأروع اللحظات وأصدق معاني البراءة والنيات، ارتوينا من نُهُرْ التربية التى تجلت في التسامي المحمدي، وتسامرنا بالمحبة مع جنسنا أو الجنس الآخر بالتعاون والاتفاق والمزاح والبسمات بقلوب طاهرة صافية، تعلمنا تحت ظلال الأشجار الحانية كتابنا العظيم ونورنا المستديم وهدانا المستقيم قرآننا الحق المبين، حتى حان الوقت نسكن أعشاش أرواحنا ومن هم لباس لنا؛ لتطيب قدسيتنا بفلذات أكبادنا وتمضي بنا الأقدار بين مد وجزر، وصفاء وغيوم، وفرح وكدر.. فالحمد لله رب العالمين.
مضت الحياة بنا وتجرعت قلوبنا كاسات من الآلام، وعِذوبة من السعادة حتى اشتعل الرأس شيبًا، وبلغلنا من العمر عتيًا. فشاءت الأقدار أن تهرم العظام وتوهن الاجساد ونعود إلى عاهد أعمارنا صغارا. نستجدي الحنان ونرغب في الدلال وكثير الاهتمام نرتجي تلك الأيدي الدافئة، ونستهوي الهدايا الصادقة، حتى إذا اعترانا المرض أو أقعدنا المشيب؛ وددنا أن لا نكون ثقلًا على أحد، ولا أن تقطعنا سكاكين الشفقة، ولا أن نهمل في دفترٍ منسي فقط . حقوقنا الإنسانية أولًا، ثم كلمة كبار السن إن شئتم.. فالحياة ماضية بنا وبكم.