قادرون ولِنكن في الصفوف
عفراء المياحي
ثمةُ أحلامٍ غالية ، تحمِلها قوافل الابداع ؛ لِتحيا من جديدِ، وَ ثمة مغامرات رخيصة جدا، ترسبت خطواتها ببطءٍ شديد ، كي تغفو من جديدِ، حياة واحدة فقط، لكننا بَشر مُختلفون قلبا وقالبا، يولدُ الإنسان من ضيقِ الرحم لسعة الحياة الدنيا، لكن اختلاف الاقدار والقلوب والعقول هي من جعلت لكلِ شخصٍ عين مُختلفة يَرى الحياة بمنظوره الخاص الذي يطمح من خلاله أن يصل إلى باب من أبواب الحياة .
البعض أصبح في عمرٍ كبير ومازال كالطفلٍ الصغير، يرى القمرَ من بعيدِ ،يتمنى أن يَلمسه وكأنه شيء قريب، وبعضهم بمجردِ فرقَعَة أصابعهِ يرى الخيرَ أمامه دونَ أية عناء، وبعضهم يسعى ويعتزم واللهُ هوَ القادرُ المقتدر ، وهم الصنف الذين اتسموا بِفهمِ الحياة بحذاقةِ وذكاء وشَعَرُوا بالنقصِ وعرفوا حَاجتهم وحاجةَ أهاليهم وبَدأوا بفتحِ طرقِ أبوابَ الحياة شيئا فشيئا طامحين أن يصلوا الى مبتغاهم .
قيلَ قديما ” الحاجة أم الاختراع “فلولا حاجةَ الستر لما اتخذ الناس منِ الجبالٍ بيوتا ومن الأشجار لباسا ومن الأنعام طعاما، لولا الحاجة لما تحوَل الجاهلٌ إلى عالمٍ والأميَ إلى متعلم، لما وُضِعت النقاطَ على الحروفِ، ولما اكتمل حيز الفراغِ. نجدٌ أحيانا بأنَ الابتكارَ نتجَ عن حياةٍ سعيدةٍ وربما حزينة جدا لأُناس ٍشَربوا ماء الألمِ بصعوبةٍ تامة، كاختراعٍ التلغراف، عندما غادرَ سامويل مورس مدينته ليرسم أحد اللوحات مَرضت زوجته فجأة وتوفاها اللهُ، علِمَ سامويل بمرض زوجته بعد أيام عدة، وحزن حزنا شديدا، وأوقف مهنته في الرسمِ وركزَ على تطويرِ طريقةٍ سريعةٍ جدا للتواصلٍ بينَ العالم في الأماكنِ البعيدة؛ فَقام باختراعِ التلغراف، فيا لها من قصةٍ عجيبة انتهت باختراعٍ عظيم نفعَ الامةَ البشرية.
تمرُ بنا لحظاتٍ صَعبة، يُسَلّم الفردُ نفسَهُ للغضبِ، يقعُ فريسةً لعواطفهِ ولإحباطاتِ الناس فيجد نفسهُ تائها حائرا، لا يميز بينَ الصح والخطأ، يرمي نفسه للنارِ دونَ أن يعرفَ ذلك، يَشعُرُ بأغلالٍ في عنقهٍ رغمَ حُرّيَتُه التامة، يقول بيتهوفن (يا لشدة ألمي عندما يسمع أحد بجانبي صوت لا أستطيع أنا سماعه، أو يسمع آخر غناء أحد الرعاة بينما أنا لا أسمع شيئا، كل هذا كاد يدفعني إلى اليأس، وكدت أضع حدا لحياتي اليائسة، إلا أن الفن وحده هو الذي منعني من ذلك)، نعم! حُبه لاكتشافِ الجديد ، وتأليفَ بعضَ الكلمات الجديدةِ التي تُعِينَهُ في الحياةِ، وَ حُبِه لابتكارِ المزيد من معزوفاتهِ الجميلة ، أصبحت المسافةَ بينه وبينَ اليأس كمسافةٍ بينَ الأرض والسماء .
الابتكارُ هو من يجعلنا نكسبُ الحياةَ من جديدِ ، من يجعلنا نُدقِقُ في تفاصيلِ الجزيئاتِ الصغيرة ، هو من يجعلَ قُلوبنا منفتحة للزمنِ وآذننا منصتة صاغية لأصغرِ الأشياء حتى لصوتِ حفيف الشجر وَنسيم البحر ، الابتكار يَجعَلُنا بَعيدينَ كُلِ البعد ِعن تفاهاتِ الحياة التي تسببُ لنا ضيقا في النفس وازدحام في الأفكار التي قد توصلنا الى طريقِ لا نهاية لها. يجعلنا مُراقبين لمعلوماتٍ دقيقةٍ واكتشافاتٍ جديدة، تجعلُ من أصحابِها عقول منيرة، تشتهي العلم والمعرفة وكل ما هو جديد، يجعلهم يُدقِقون لأصغرِ الأشياء كصوت ِصياح الديك، وخرير الماء، ونعيق الغراب، وطنين الذباب وحتى لهديلِ الحمامِ.
الحياةُ تجبُر الانسانَ أحيانا أن يسلكَ طرقا مختلفة لا تقليدية ، غنيا كان أم فقيرا، فقط لا بد أن يجتازوا مطبات الحياة بكل رحابة صدر ، نجد “ماريون دونفان” مخترعة بامبرز للأطفالِ بعدما أصبحت ام لطفلين ورأت بأن حياتها ووقتها يَكمنُ فقط بتنظيفِ أبنائها ومنزلها فحاولت أن تستجمعَ قواها وبدأت بإعادةِ تدويرِ أفكارها كي تكرًس وقتها في أمورٍ أخرى ، وفعلا بعدَ عدة محاولات اخترعت بامبرز( حفاظات للأطفال ) كي لا يأخذ تنظيف أطفالها مزيدا من الوقت فهي ما زالت تشتهى الى انجازِ الكثير من الأشياء، حاجة ماريون الى عملِ المزيد من الأشياءِ في حياتها وحبها لاستطلاع الخبايا، ، قامت بعملِ معروفٍ كبير جدا لنساءِ العالمَ اليوم .
الابتكارُ ليسَ محصورٌ لدولةٍ معينة أو للفقراء أو لفئة الذكور فقط، بل حُكمَهُ جائز لسائر البشرية على هذِهٍ الأرضِ الواسعة، فالماءَ حتى وإن كان مُلوثا لكنه مازال يُطفئ النارَ، فلا يَهم إن كنتَ شابا او عجوزا، أو أسودا أو أبيضا او من ذكر أو أنثى، المهم في الأمرِ أن تُطفئ حاجة البشر بإبتكارٍ قد يدومُ الى الابدِ.
الحياة من دونِ الابتكار تُصبح مهددة بالضياعِ، مهددةٌ بالانقراضِ شيئا فشيئا، سيصبح البشرُ يتكلمون بلغةٍ مؤلمةٍ جدا، وسَتصبح إمكانياتهم في الحيـــاةِ ضئيلةٍ جدا، في يومٍ منَ الأيام احترقَ مصنعُ توماس اديسون فَقيلَ له ماذا ستفعل فقد سوته النار بالأرضِ، فقال:” يا لها من فرصةِ لبناءِ المصنع بالطريقةِ التي أفضلها”. نعم! هؤلاء فقط من يغتمنونَ كلِ فرصة ، من ينظرونَ الى النارِ بأنها نور من جديد ، يَفرحون لأنّ بداخلهم طاقات ابداعية نادرة ، سعيدون جدا في عالمِ الابتكار ، يَشعرون وَكأن هناك مخرج يُخرجهم من الظلامِ الى النورِ ، بأنّ هناكّ ثغرة صغيرة يَتنفسون بِها أثناء ابتكاراتهم ، فَطوبى لهم، طُوبى للشجعــــانِ ، لأنّ الحياةّ لا تُساعدُ الا الشجعان فقط !!!
نعم إن أدركَ الجميعُ قيمة الابتكار، ستتوالى ابتكاراتهم شيئا فشيئا، حينها سيخدمون بعضهم بعضا ، وستتكاثر وسائل الراحة يوما بعد يوم ، ستصبح الحياة أكثر يٌسرا، وسيكون الجميع يدا واحدة حتى وان بعدت المسافات بينَ قارة وقارة، ودولة وأخرى، واختلفت الالسن والثقافات، حينها ِبلا شَك ستَتَحقق آخر رسالة لبيتهوفن: (كل البشر سيصبحون إخوة).