تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

بين الحقيقة والأوهام 3/3

الجزء الأخير

يعقوب بن محمد بن غنيم الرحبي

كيف كان ذلك؟ لا ندري إنما نؤمن به لأنه أشار إليه القرآن الكريم، مهما قال المفسرون يبقى ظني وليس قطعي، هذه كلها أقاويل واعتقادات باطلة وناتجة عن جهل وتخلف في الفكر، وضعف في
الإيمان وهي لا شك عين الشرك، لأنك تعتقد وتصدق بأن هناك من يستطيع أن ينفعك أو يضرك من دون الله، الجهل وصل بالناس إلى أن تصدق بكل هذه الأشياء وربما حتى كثير من الشباب لأنهم يأخذون مثل هذه الاعتقادات من آبائهم الذين ورثوها من أجدادهم ويسردون لهم قصص خرافية حدثت في الماضي وللأسف يصدقونهم ويؤمنون بها وهذا يسمى إيمان العجائز، هنا سأسوق بعض الأمثلة حتى تتضح من خلالها الحقيقة، كنت وأنا صغيرًا أسمع مثل هذه الأشياء وبدأت أصدق وكان في بلدي لا يموت أحدًا رجلًا كان أم امرأة إلا وقالوا عنه مسحور وأخذوه وبعضهم يقولون: أكله السحرة، وما هي إلا فترة قصيرة بعد موته بأيام قالوا: عنه وجدوه بالليل يتجول في القرية أو يتفقد الضواحي التي خلفها، ولما يراه أحدًا من الناس يهرب عنه، هذه الظاهرة الآن أختفت تمامًا، لماذا لأن البعض اقتنع بأنها ليست حقيقة، كانت أوهام وكان هناك خوف في القرى لا توجد كهرباء وكل الناس تذهب بالليل لتقضي مآربها وحوائجها وترى ظلها أو ظل الآخرين أو بعض الناس يذهبون إلى الأموال لقضاء حوائجهم من استحمام بالأفلاج وأخذ الماء إلى البيوت وغيرها، لأن كل منهم يظن بأن من رآه مسحورًا، أو ساحرًا أو جنيًا أو عفريت، والأمر الآخر عندما يمرض أحد من أفراد العائلة أو طفل يصيح بالليل كثيرًا، مباشرةً توجه التهمة إلى الجن بأنهم أضروه أو سحروه أو ضربته أحد نساء الجيران بعين، فلا مفر من التوسل إلى الجن بطلب الشفاء أو التصدق والنذر إلى أحد المساجد أو المقابر أو منبع عين ماء بذبيحة أو بما يسمى بالعامية (مغابير) من بخور اللبان، ومن شدة الجهل سمعت من سنوات ليست ببعيدة، بأن رجلا كلما جاءه مولود يموت فذهب إلى أحد الدجالين وشرح له الأمر فقال له: هل لديكم امرأة عجوز بالبيت؟ قال: نعم إنها جدتي، قال: هي كبيرة في السن أليس كذلك؟ قال: نعم، قال له: هل فيها سنين كبيرين في الأمام قال: نعم، قال: واحد على اليمين والآخر على الشمال؟ قال: نعم، فكان من باب الصدفة لم يبقى للجدة سوى سنين في الأمام لأنها طاعنة في السن وهذا شيئًا طبيعيًا طبعا، وكانت هذه الجدة تتمنى لحفيدها أن يكون له أولاد قبل موتها وتفرح بوجودهم، إلا إن الله لم يجعل ذلك، فقال له هذا الدجال: تلك العجوز أي جدتك هي التي تأكل أولادك، وما كان من هذا الحفيد إلا أن ذهب إليها وضربها وهي تصرخ تحت قدميه، يا حبيبي ويا قلبي أنا أتمنى أن أرى أولادك، فضربها حتى فارقت الحياة، هذه نتيجة الجهل، مثل هذه الأشياء الآن بدأت تختفي ولله الحمد، أما مسألة الحسد والعين والالتباس بالجن والإيمان بأفعالهم هذا للأسف الشديد بقي يتوارثه بعض الناس، فعلى سبيل المثال إذا انفصل زوجين قالوا حسدوهما، وإذا لم تنجب إمراه قالوا عملوا لها (عمل)، وإذا فشل طالب في علمه وكان متفوقًا، أو موظف في وظيفته قالوا أيضًا محسودًا، أو ضُرِب بعين، وهذه أمثلة بسيطة جدًا على ما نسمع، وهنا من القصص التي أطلعت عليها بنفسي، منذُ سنة واحدة تقريبًا (زارت امرأة بيتنا ولديها طفل لم يتجاوز الخامسة من العمر، قالت: ولدي ضربوه بعين قلت لها كيف؟ قالت: لا يستطيع أن يمسك وردة بين يديه يخافها ويصرخ، ناديت هذا الطفل بنفسي وأحضرت له وردة من حديقة منزلي، وفعلًا رفض أن يأخذها وخاف، لأنه ربما مر بموقف مخيف مع هذه الوردة أما موقف مصحوب بألم أو بخوف، لذلك أصبح يخاف منها حاولت معه مرة أخرى ثم كررت عليه وقلت له هذه وردة جميلة بها رائحة منعشة، ثم أخذها بكل ود وحب، دون أي تردد، فقلت لأمه: أين العين وأين الحسد؟ لو كان كما تقولين لما استطاع أن يأخذها)، وقصة أخرى، (دخلت فتاة لتنام بغرفتها بعد أن تم طلاء الغرفة بطلاءٍ زيتي قوي جدًا، نامت مباشرةً بعد الانتهاء من الطلاء وأغلقت الباب، لما صحت من نومها، أصيبت بصداع شديد في رأسها، شكت ذلك لوالدها قال والدها: ابنتي أُصيبت بعين أو بسحر، فأخذها إلى الحكيم قال لهم الحكيم: نعم هذه أصابتها عين، تحتاج ما بين ثلاث إلى أربع جلسات، وكل جلسة تقدر بخمسة آلاف بعملة ذلك البلد، وهم فقراء ليس لديهم هذا المال، ثم عادوا بها إلى البيت وأخبروني، ضحكت كثيرًا، قلت لهم: والله الذي لا إله غيره، هذا رجل دجال يحتال عليكم، ابنتكم أثّر عليها الطِلاء، وفعلًا اكتشفوا بعد ذلك بأن سبب الصداع هو الطِلاء، بعد أن خسروا المال)، هكذا الناس تدفع أموالا طائلة في مثل هذه الأوهام، وفي الجانب الآخر أيضًا تعيش ناس على حساب الآخرين بالدجل، هنا أود أن أتساءل لماذا هذا الحسد والعين والالتباس بالجن؟ لا يوجد إلا مع المسلمين وبالأخص مع العرب في المجتمعات المتخلفة؟ لماذا هذه الخرافات لا مكانة لها في باقي المجتمعات؟ ثم كيف لإنسان أن يحسد إنسانًا أو يضرب طفل بعين حسب هذا الاعتقاد السائد وهو مؤمن، ألا يخاف الله ويخشاه، كيف يصلي ويصوم ثم يفعل مثل هذه الأفعال؟ إن مثل هذه الأشياء كلها علم تمس العقيدة فهل يؤخذ العلم من العوام؟ هل قول الجدة والجد حجة؟ في الحقيقة الذين يؤمنون بمثل هذه الأشياء ويصدقونها هم جهلة وعقيدتهم في خطر، وللأسف الشديد بعض علماء المسلمين يؤمنون بمثل هذه الخرافات ويسندونها إلى الدين، يستدلوا ببعض الأحاديث التى يرويها الشيخين البخاري ومسلم، و كأن ما قاله الشيخين كتاب مُنّزل وتكفّل الله بحفظه، على سبيل المثال قال: بعض العلماء وعلى رأسهم ابن باز، لقد وقع السحر للنبي – صل الله عليه وسلم – وهو سيد البشر، كما روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سَحَر النبي – صلى الله عليه وسلم – يهودي من يهود بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يخيّل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى جاءه الملكان وأخبراه فأُخبر بموضع السحر فأُمر بدفنه ودُفن، “طيب” لو سلمنا بهذا الحديث أو هذه الرواية، أليس لنا الحق أن نتساءل، ونقول ألا يتعارض هذا مع قوله تعالى: {يأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} المائدة67، فكيف بنبي يُسحر وهو مُكلف بتبليغ رسالة ربه ثم لا يعلم ما يقول؟ وإن هو إلا وحي يوحى، ثم هذه الرواية مردودة من عدة وجوه، وأهمها إنها تتعارض مع قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، وعندما خاطب الله موسى قال له: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ} طه 69، أي الساحر لا يفلح في ما عمل من أعمال السحر، وهذا دليل قطعي بأنه ليس هناك سحر حقيقي يضر الناس، وإن كان البعض حاول إلا أنهم لا يفلحون. في الحقيقة ما وقع فيه بعض العلماء الذين يفسرون بأن هناك من الناس تستطيع أن تضر،
هم تأثروا ببعض الأحاديث والتفاسير القديمة التي كانت مرتبطة بعلاقة المجتمع في ذلك الوقت، أما المنهج العلمي يرفض رفضًا قطعيًا مثل هذه الأفكار والأعمال، وهذه المعتقدات لا شك تعارض القرآن الكريم وتعارض العقل فأنه لا أحد يملك نفعًا ولا ضرًا إلا الله.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights