يقرأني واقرأه
عائشة بنت جمعة الفارسية
ما إن انكشف الحجر واستطعنا تلمس حاجاتنا مع الكثير من الحذر حتى لا نقع في المحظور.
هممت بالترتيب للذهاب إلى بحرنا، وتبعًا للظروف الحالية تلمسنا موقعا لا يألف دربه إلا القليل ولعلنا مطمئنين أن لا نجد عليه أحد.
يبعد عن المنزل قرابة ٢٠ دقيقة، ليس ببعيد لمن يتشوق أن ينفض رأسه من أتربة تلبدت لا ينتفع من وجودها، التصقت فنزلت من عالِ الرأس، حتى تكاد تصل الأطراف أحسها جاثمة على صدري.
فوالله لولا الملامة لبسطت خيمة على شاطئه، وأوقدت من حصاه وما يلفظه من أخشاب تجرها الوديان موقدًا أطهو به زادي، وتوسدت رمله وتكحلت برؤيته صباحًا مساء.
لذا لن يثنيني عن زيارته لا فيروس ولا غيره.
فما أجمل أن تسمع تلك الوشوشة عندما يلتقي موجه مع حصياته.
ولا أفضل من رمل تطأه قدمي فأذرع بها مسافة أحتسبها كرياضة أشد بها عزمي.
خذوني إليه ليقرأني وأقرأه.
إن من نعم الله علينا اتصال مدينتي ببحرين بحر عمان وبحر العرب وكل منهما كنوز مكنونة لا يقتصر الأمر على كونهما مسارًا تصل لبقاع شتى، بل أمور أخرى لا يعرفها إلا محبيه.
ولشدة تعلقي به.. أكثر زياراتي الجغرافية في عمان استكشاف ذلك الامتداد البحري، فأنهيت من صحار شمالًا، وحتى ظفار جنوبًا ولم يتبقى سوى مسندم.
كنت أتعمد التعرف على ما تلفظه تلك الشواطئ، حيث تختلف المخرجات مع اختلاف المكان.
فعندما يكتسي الشاطئ صخرًا ؛ تزداد الطحالب والقواقع.. تجدها تشكل أكوامًا أشبه بهرم، ويتضح ذلك المشهد وقت الجزر.
تزداد الرائحة قوة مع وجود الطحالب، وتزداد الحوادث لكثرة انزلاق سالكيها الغير مطلعين على خطورة المشي عليها.
أما إذا كان الرمل يتفرد على الشاطئ تجده تلالًا متكدسة، تلألأت القواقع الصغيرة التي تكبر حبات العدس باليسير، يكسوها اللون الوردي، تلمع مع أشعة الشمس يغطيها الرمل والملح معًا، توافقًا لا يغلب أحدهما الآخر، يلفظه الموج كأنصاف دوائر.
رأيته كثيرًا موزعًا في حدائق فنادق تايلند خاصة أروقة الاستقبال مع الحصى الصغير متناغمًا يشكلان إحاطة فنية مميزة لأشجار الظل.
كانت آخر زيارة للبحر قبل ثلاثة أيام وصلنا إلى أقصى الشرق.
الوقت عصرًا أقرب إلى الغروب.
بدأ استقبال البحر لي من عجلات السيارة، كانت في كل خطوة قصة.
الرمل بدأ ناشفًا.. لا زالت حرارة الشمس تعلوه. التفت خلفي كان الأثر بسيطًا.. عمدت أن أخطو في نسق واحد لأخذ صورة لآثار أقدامي من هاتفي، لعلي أكحل بها عيني إذا تعذرت زيارته.
بدأت قدمي تنغرس أكثر، الرمل هنا ممزوجًا بالماء بنسبة بسيطة، ثم زاد الأثر عمقا.
حرصت على تغيير المسار قليلا لليمين، تعمدت عدم رفع عباءتي.
البحر انتهى مده، ويقرب للجزر كل الشواهد تقول ذلك.
اتسعت عيناي.. البحر يتعالى صراخًا أسمعه يعاتبني. خطاي للأمام التف عنقي يمينا.. توزع نظري لكل موجة.
جزء منه يعاتبني وآخر يعطيني من العذر ألفا.
لم يكن ذلك اليوم مناسبًا لأخبره عن ما يكنه صدري.
كان يومًا لأقرأه، ذلك الهدير الذي أحدثه تغلغلت منه نسمات باردة مرت على عيني حانية وعلى نفسي مطبطبة . .
جلست على صخرة حبست بينها قليل من مائه.. طأطأت رأسي لأرى وجهي وكأنني لم أره من قبل.
تركته يكمل حكاية الشوق لعل في صمتي عزاء له.