هيمنة قانون العمل ضد امتهان العامل
ظافر بن عبدالله الحارثي
علم القانون وجِد من أجل المجتمع؛ لينظم حياة الأفراد، يحميهم ويقرر واجباتهم وحقوقهم؛ كما يلعب دوراً هاماً في بنائهم عن طريق تحسين سلوكياتهم، فتتدخل القاعدة القانونية لإدارة شؤون الناس؛ لذا بداهة لا نرى أمرًا من أمور الحياة إلا ولها قانون يضمن سيرها على أكمل وجه، ولا نرى فئة من فئات المجتمع إلا وقد خاطبتهم؛ ومنها فئة العمال، والذين يشكلون النسبة الكبرى من مجمل سكان دولنا، هم الطبقة الكادحة والمحرك الأساسي لأي تنمية، والذين تتعدد وظائفهم ومهامهم بمختلف المستويات.
ورغم أننا لا يمكننا العيش وتلبية الاحتياجات دون هذه الفئة المهمة، إلا أنه قد يُساء التعامل معهم لعدة أسباب نلاحظها في حياتنا اليومية سواءً من قبل صاحب العمل أو الناس بشكل عام والذين قد يقللوا من قيمة هذه الفئة؛ إلا أن المشرع قد تدخل وتصدى لهم من خلال قانون العمل، الذي احتوت قواعده مزيجاً بين قواعد القانون العام والخاص ليكون قانوناً اجتماعياً ذات صفة خاصة، يتميز عن باقي القوانين، ويستقل عن طبيعة قانون الخدمة المدنية بغرض إعادة التوازن والتعاون بين العامل وصاحب العمل في علاقتهم، وأيضًا لإبراز أهمية هذه الفئة وانعكاس أثر حمايتهم على المجتمع، مراعياً الجوانب الاجتماعية الخاصة بالعامل كالاهتمام بالتأمين الصحي له ولأسرته وتقرير الإجازات وأوقات العمل، وكذلك الجوانب العامة الخاصة بالدولة، مثل الجانب الاقتصادي والذي يتمثل على سبيل المثال في أثر دخل العامل على عملية العرض والطلب ومساهمته في دفع عناصر الإنتاج وتنشيط الاقتصاد؛ والجانب السياسي كالاعتبارات الأمنية وغيرها مما يندرج تحت المصلحة العليا للدولة.
فالعامل هو ذلك الشخص الذي يعمل لحساب شخص آخر تحت إشرافه ورقابته مقابل أجر، إلا أن المشرع العماني استثنى وأخرج من نطاق تطبيق هذا القانون، أفراد القوات المسلحة وهيئات الأمن العام والعاملين بوحدات الجهاز الإداري للدولة، وأفراد أسرة صاحب العمل والمستخدمين داخل المنازل أو خارجها ومن في حكمهم ؛ فالعامل (مواطنًا كان أو أجنبيًا عن الدولة) وصاحب العمل هما محوران هذا القانون الحركي، ومن حيث أحكامه يلاحظ أنها في صالح الطرف الضعيف في العقد وهو العامل، كما يلاحظ اتساع مضمون نصوصه في التفسير متى ما كانت لمصلحته؛ علاوة على ذلك، قيام قواعد هذا القانون على عدد من المبادئ؛ فعلى سبيل المثال من خلال مبدأ تكافؤ الفرص يضمن عدم احتكار الوظيفة لفئة دون غيرها وتوفير الحماية اللازمة لضمان عدم تعسف صاحب العمل وعدم اتسامه بأي مظهر من مظاهر التميز أثناء المعاملة بين الجنسين؛ أما من خلال مبدأ حماية العامل نستنتج ونرى انعكاس مبدأ المساواة في توازن مركز القوة القانونية بين طرفي عقد العمل، ليكون المركز الاقتصادي هو الفارق الوحيد بينهما على أساس أن عملية دفع الأجور بيد صاحب العمل والذي يفترض فيه أن يكون بمستوى مادي أعلى، والجدير بالذكر لم يترك المشرع العماني حق تحديد الحد الأدنى للأجور بيد العامل وإنما عد ذلك من الأمور المتعلقة بالنظام العام حتى لا يقلل من حقوقه، بالإضافة إلى تميز عنصر الأجر في القانون العماني بالحماية التي تتمثل في امتياز دين الأجر والذي جاء في نص المادة 54 من قانون العمل (على أن يكون للأجور والحقوق والفوائد الأخرى وجميع المبالغ المستحقة للعامل أو لمن يستحقون عنه بمقتضى أحكام هذا القانون الأولوية على سائر الديون الواجبة على صاحب العمل وذلك فيما عدا النفقة الشرعية المحكوم بها)؛ وكذلك توفير حماية في حال اقتطاع صاحب العمل للأجر وأيضًا حماية العامل من دائنيه.
وفي قانون العمل الذي ربما قد تختلف مسمياته من دولة لأخرى، إلا أنه اتفقت في مضمونه وأساسياته الكثير من الدول إن لم يكن أغلبها، وذلك لما يحمل في طياته تقرير الحقوق الإنسانية والمنطقية العادلة، مع ضمان وجود عنصر التجديد، لمواكبة التطورات المستمرة والتي تقترن بنظام إجرائي وجزاءات خاصة في حال مخالفة القانون؛ وذلك حرصًا على كفالتها الفاعلية اللازمة والاحترام، فالقانون يعلمنا العدالة ويرسم لنا خطوط النظام في الحياة، ويرتبط وجوده بنا نحن بني البشر ولم يوجد لإرهابنا.