حرروا أنفسكم ..
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
نعيش قلق النفس، أكثر من أي قلق آخر، ونتحمل من جراء ذلك الشيء الكثير، أنفسنا تتعبنا حتى الرمق الأخير من أعمارنا، تتعبنا لأننا؛ ربما؛ لأننا لا نعطيها من العناية والرعاية والاحترام، وما نبذله من جهد لأجسادنا يكاد يكون ضعف ما يقابله للنفس، هذه النفس المسكينة في كثير من المواقف، وهذه النفس المتصابية في مواقف أخرى، وهذه النفس التي وصفها المولى عز وجل بـ “الأمارة” و”اللوامة” على امتداد مسيرة حياتنا، ومع ذلك نغض الطرف في مواقف كثيرة عن صداماتها المستمرة معنا قبل إقدامنا على الفعل؛ وبعد ما نفعل، ومقابل ما نود وما نكره، ونقول: أن هذه النفس حاضرة بقوة التأثير، وبقوة الحضور، وبقوة البقاء، لأننا بدونها لا نساوي شيئا، تخيلوا أحدا ما بدون نفس، فكثيرا ما نقول: ما نفسي في شيء اليوم، ما نفسي أطلع، ما نفسي أنام، ما نفسي أعمل، هو متخاصم مع نفسه في هذه الحالة، هل هو متضاد مع نفسه، هل هو لا يعِ ما يقول، أم هي نفسه التي تأمره بذلك، أليس هنا نقطة تضاد بين ما يرى ويعتقد، وبين ما يود ويكره، هي معادلة ليست يسيرة كما هو واضح، معادلة صعبة في توازناتها، وصعبة في حسم قراراتها في أي جهة نود أن نكون؛ مع النفس، أو ضد النفس.
نتفق، بلا شك، أن النفس كائن؛ معنوي؛ كما هو الفهم الشائع، ولأنها كذلك فهي غير مرئية، ولأنها كذلك؛ فهي غير حاضرة بقوة المادة، نعم نحن أطرافها الذين نوزع المهام بها؛ فعندما ننجز نفتخر بها، وعندما يعاندنا الحظ ونشعر بالهزيمة، نعود لها خذلانها؛ نحب فلان من الناس؛ لأن أنفسنا تحبه، ونكره آخرا؛ لأن أنفسنا تكرهه، ربما الذي نحبه لم يقدم لنا الشيء الذي يستحق أن نضحي بإعطائه هذه المساحة من الحب، وربما أيضا الذي نكرهه لم يصنع شيئا قاسٍ؛ يستحق أن نقابله بهذا الموقف من العداء، إذن؛ نعم نحن معاقل انطلاقات هذه النفس نحو الحب والكره، ومآوي إيابها المرتدة بعد رحلة الغياب حتى العودة، حيث يبقى الحوار الـ “مونولوجي” نفسي (متعبة).
مشكلتنا مع أنفسنا تتربع عبر هذا الإسقاط الدائم على كل مجريات حياتنا اليومية سلبا أو إيجابا، وعلى الرغم من أن مجريات هذه الحياة تسير وفق صيرورتها المعتادة؛ حيث الجميل والرديء، والطيب والسيء، والإيجابي والسلبي، وفي كل هذه الأحوال التضادية المعايشة؛ نبقى نحن وأنفسنا، نُسيرها أو تُسيرنا وفق ما نريد في مواطن الرضا، أو عكس ما نريد في مواطن الكره والرفض، ومن جراء ذلك نتلقى المأزق الناشئ وسط هذه العلاقة التضادية، فإن كان خيرا، فهو المطلوب، وننسى أنفسنا التي لها فضل المكتسب، وإن كان شرا فهو المكروه، ونتذكر أنفسنا ونُحملها مزالق الخسارة.
عندما نقول: ” حرروا أنفسكم ..” فإننا نريد من هذه الأنفس أن نعيش معها على حالة توافق يذهب إلى الخير والصلاح، وإلى حالة رضا من شأنها أن تبسط أردية الطهر في هذه العلاقة المتبادلة، كثيرون من الناس يكرهون أنفسهم من غير لا يدرون، فيميتون فيها لحظات الانتشاء، وفي المقابل أيضا هناك من الناس من يحبون أنفسهم إلى حد التماهي أو الأنانية، فيعلو سقف أنفسهم، وتعزيز النفس هو الأقرب إلى الحياة، فبدون أنفسنا لن نكون الأقرب، وكما قال الشاعر أبو الفتح علي بن محمد الكاتب البستي – كما هو المصدر:
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته: أتطلب الربح فيما فيه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها: فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان.