2024
Adsense
مقالات صحفية

مساجِدنا و “كوفيد 19”

سعيد بن راشد الراشدي

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم- وبَعْد، فإنّ مَنزِلة المسجد في نفوس المسلمين إنّما هي منزلة عظيمة لا يضاهيها شيء في هذه الحياة، ففيه تُؤَدّى الصلاة التي هي عَمُود الدِّين، إضافةً إلى المَناسك والمناسبات الدينية العظيمة الأُخرى مثل: صلاة القيام في شهر رمضان المبارك وصلاة الأعياد وغيرها من الأمور الدينية.

وكما يُقال بَقاء الحال من المُحال هكذا يعيش العالَم مِن أقصاهُ إلى أقصاه في هذه الفترة وفي ظِل تداعيات هذه الجائحة العالَمية ألَا وهي ” كوفيد 19″ التي غيَّرتْ طَرُق وأساليب الحياة بشكل كبير، ونحن في وطننا العزيز عُمان لَسنا بمعزل عن العالَم وما يحدث فيه مِن مُستجِدّات مختلفة الجوانب، لذا كان لزاماً علينا أن نُغيّر مِن أسلوب حياتنا اليومية ومن عاداتنا ومُمارساتنا التي كنّا نقوم بها وتعودنا عليها في ظِل الظروف الطبيعية السابقة من حياتنا، وتماشياً مع القول السائد: الوقايةُ خيرٌ من العلاج؛ لمواجهة تفشى هذا الوباء ” كوفيد 19″.
نعم الوقاية من هذا الوباء العالمي – هي خيرٌ مُنقطع النظير بدون شك – الذي أرعبَ العالَم في كُل أنحاء المعمورة، وتماشياً مع التوجيهات الصادرة من الجهات الرسمية والمُكلفة بمتابعة تداعيات هذه الجائحة في الوطن العزيز حيث تمّ تبني عِدة إجراءات احترازية لمواجهة هذا الوباء منها غلق المساجد لأداء الصلاة، وتقتصر فقط على رفع الآذان على أن تُؤدى هذه الشعيرة العظيمة في المنازل مع الأخذ بالوسائل المعينة في الوقاية من انتشاره بين أفراد المجتمع.

وحيث أن المساجد هي بيوت الله سبحانه وتعالى على هذه الأرض، ويشعر الإنسان بالراحة والسكينة فيها، والاختلاء بالنفس من هموم الحياة وتعقيداتها اليومية، فالمسجد يُعتبَر القلب لنبض الحياة إن لم يكن هو الحياة بأكملها، ونجد ذلك يتمثل في قوله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: ” أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” سورة الرعد (28).

ويعتبر المسجد النواة الأولى للدولة الإسلامية التي أسّسها وقادها مُخرجنا من الظُلمات إلى النور صاحب الجبين الأزهر الصادق الصدوق نبيننا محمد – صلى الله عليه وسلم – وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فالمسجد هو المدرسة المحمدية التي تَخرّج منها أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي رضي الله عنهم والصحابة أجمعين عليهم رضوان الله سبحانه وتعالى، الذين قادوا الدولة الإسلامية وكانوا ومازالوا قدوتنا جميعاً في حياتنا التي نعيشها.
ولم يقتصر المسجد في زمن الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – على تأدية الصلاة فيه فحسْب، بل تعددتْ أهميته إلى أبعد مِن ذلك، فكان مركز إشعاع للدولة الإسلامية حيث كان المسلمون ينهلون منه تعاليم دينهم ودنياهم. ولم يقتصر على الدور التعبدي بل كان يُعتبر مدرسة متكاملة ونظاماً مُكتمل العناصر، ففيهِ تُعقد الاجتماعات وفيه تُعد الخطط وفيه يتم لقاء الرسول – صلى الله عليه وسلم – بصحابته وبالوفود الزائرة، وتُقام فيه الدروس الإيمانية وإجراء الصُّلح وغير ذلك من الأمور التي كانتْ تخدم الإسلام والمسلمين.
وخير دليلٍ على ذلك ومن خلال المُتابعة التاريخية للدور الكبير الذي لعبه المسجد في الدولة الإسلامية، نجد ذلك واضحاً في حِرص الرسول – صلى الله عليه وسلم – على بناء المسجد بعد هجرته الشريفة إلى المدينة المنورة حيث كان أول مسجد بناه هو مسجد قُباء الذي أنزل الله سبحانه وتعالى فيه قوله الكريم: “لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ” سورة التوبة (108).
وقد جاء في مُحكم التنزيل ما يبين أهمية المساجد حيث قال الله تعالى في كتابه العزيز:
“فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ” سورة النور (36 – 37).

وقال الله تعالى كذلك في كتابه العزيز “وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الِدّينَ” سورة الأعراف (29).
وتتضح أهمية المسجد في المجتمع الإسلامي ودوره الكبير والفاعل في مختلف جوانب حياة الإنسان، حيث نجد أهميته لم تقتصر على الجانب الروحي التعبدي فحسب بل تتعدى إلى كثير من الجوانب الأُخرى والتي تتمثل في الجانب الثقافي حيث نجد ذلك يتمثل في الحلقات الدينية والمحاضرات والبرامج التي تخدم الجوانب الثقافية للفرد في مجتمعه.
أيضاً نجد المسجد يجتمع فيه المُصلّين من نفس المنطقة أو غيرها لتأدية الصلاة جماعة مما يزيد ويعزز قيمة الترابط والتماسك فيما بينهم مما يعزز ذلك الجانب الاجتماعي بين الأفراد في المجتمع.
ومن هنا فإننا نجد أن المسجد أدى أدواراً مُتعددة في المجتمع الإسلامي بشكل كبير، ومازال يُعتبر مركز إشعاع في المجتمعات الإسلامية. لذا علينا أن ندرك أهمية ورسالة المسجد، وأنها رسالة شاملة وليست مقتصرة على أداء الصلوات والشعائر الدينية فحسب، وأن نسعى لتأدية رسالته بالوجه الأكمل، وأن نتكاتف جميعاً في ظل هذه الظروف الاستثنائية من هذه الجائحة لتعود مساجدنا كما كانت قبل الجائحة، ولنعودَ إليها بكل شوق وفرح وسرور بإذن المولى جلّت قدرته، ووفق التوجيهات التي تصدر في هذا الشأن من الجهات المعنية بهذا الموضوع.
وأخيراً وليس بآخِر ندعو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ وطننا العزيز عُمانَ من كل داء وكل مكروه في ظِل مَن يُكمل المسير ويكمل البناء حضرة مولانا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights