حج بلا أمصار
عبدالله بن حمد الغافري
alssedq@hotmail.com
الحمد لله رَبّ العالمين، جعل الحَج رُكْن الإسلام الأعظم، والصلاة والسلام على النبي الأكرم وعلى آلهِ وصحبهِ وسَلّم.
(حجّوا قبل ألّا تحجّوا) و(حجوا قبل أن يُحال بينكم وبين الحج) أحاديث واردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج والحثّ على المُسارعة على تأديته، وبِغضّ النّظر عن توافُق المَدارس الفِقهية في حُكم أداءِ الحجّ على المُسلم البالغ العاقِل المُستطيع، هلْ على الفَور أو التّراخي فإنّ الحجّ فريضة في الإسلام وهو الرّكن الخامس فيه، وقد جاء عنهُ صلّى الله عليه وسلم قوله: (من لم يحجّ وهو مُستطيع فليمتْ إنْ شاءَ يهودياً وإنْ شاء فليمُتْ نصرانياً).
فالحج مِن أساسيات الدّين الإسلامي الحنيف.
وللحج فوائد عدّة، أوّلها أنّهُ رحلةٌ إلى الله تعالى يتجرّد فيها العبد مِن حُظوظه الدنيوية ويُقبل على الله تعالى بكُلّياته، فهو يودّع أهله ويكتبُ وصيّته ويتخلّص مِن دُيونه ويكتب حقوقه.
كما أنّ الحجّ يُذكّر بالآخرة فهو صورة عملية من صُور يوم النّشور كما أنّ الحج يُجلي الذنوب ويمحو الآثام فيرجع الحاجّ المبرور حجّهُ كَيوم ولدته أمه.
والحج عبادة مالية وجسدية وزمنية بقصد أداء المناسِك والتوسعة على العِيال وملاطفة الأصحاب وحُسن الصّحبة في الترحال، وإنّ من نِعَم الله تعالى العظيمة علينا هي تيسير أمور الحج وتوفر الأمن ووجود النظام مع الزاد والراحلة إلى غير ذلك مما يلزم توفرها للمسلمين الحُجاج للأراضي المقدسة.
أما في حج عام ١٤٤١ هجرية فإن الوضع مُختلف جداً، فمع ظهور فيروس كورونا الذي ينتشر بالاختلاط والتقارب فإنه تم منع الحج من الأمصار واقتصر على المواطنين والمقيمين في أرض الدولة السعودية وتم اتخاذ معظم الوسائل الاحترازية للحدّ من انتشار الوباء بالتباعد الجسدي والفصل بين الحجيج في الخيام وفي السّكنى سواء في مِنى أو عرفات أو مزدلفة كما تم تحديد خطوط ومسارات منظمة في صحن الكعبة وفي المَسعى ضماناً لصحّة الحُجاج وعدم انتقال الفيروس.
وقد اقتصر حج هذا العام على عشرة آلاف حاجّ تقريباً رغم أن عدد سكان المملكة العربية السعودية يجاوز الخمسة والثلاثين مليوناً، عدا الوافدين والمُقيمين بها، فعشرة آلاف حاج يُتبر عدداً يسيراً جداً، ولكن نعذر السلطات السعودية على ذلك فأهل مكة أدرى بشعابها.
لقد فقدتْ حواضِر العالم ضجيج الحُجاج وقوافل الراحلين الى تلك الديار، وكان العهد بها سابقاً تزاحم الناس على قوائم المتقدمين لنيل فرصة الحج وزيارة البيت العتيق فإن رحلة الحج عظيمة ولا تُعوض بشيء، بل أسلم الناس أمرهم لله وتم إيقاف إبرام أية عقود حج سواء مع مقاولي الحج أو مع الوزارات المعنية.
إن امتناع الأمصار عن المشاركة في أعمال الحج كان له كبير الأثر في الناس، إذ كيف يُحال بين الناس وبين أداء المناسك؟
ولكن مشيئة الله سبحانه وتعالى فوق كل اعتبار وهو أعلم بأحوال عباده. فنسأل الله أن يأذن بزوال هذا الوباء وأن تعود حياتنا الى طبيعتها السابقة فينعم الناس بزيارة البيت العتيق لأداء النسك، اللهم آمين.