“فلسفة الحياد العُماني”.. كتاب جديد يوثّق تحديات “الدبلوماسية الهادئة” للسلطنة في نصف قرن
وعن رحلة بحثه لإعداد فصول كتابه يقول الباحث هيثم الغيتاوي ” بدأت العمل على مشروع الكتاب في نوفمبر 2018 وتمثَّلت نواته في تقرير صحفي بعنوان ” مَن دخل “واحة قابوس” فهو آمِن ” نشرته على صفحات جريدة ” الرؤية ” استعرضت من خلاله محطات سريعة في مشوار الدبلوماسية العُمانية منذ بدء عهد النهضة وسلطت الضوء على تحديات ومواقف فاصلة كانت واقعية السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور ” طيّب الله ثراه ” جسرًا آمنًا لعبورها ورأيتها تشكل مُجتمعة صورة عامة لما يمكن وصفها بـ “دبلوماسية الصبر المدروس” التي جعلت من عُمان واحة آمنة في عالم ليس كذلك.
وأضاف الغيتاوي ” بفضل حُسن تقدير الناشر تطوّر التقرير الصحفي المُكثّف إلى مشروع بحثي مُوسّع وبتشجيعه المتواصل أمكنني الاطلاع على عشرات المراجع والأبحاث والمصادر لتوثيق وشرح ما سبق ولخّصته في التقرير حتى أصبحت الـ1500 كلمة التي شكّلت مَتن التقرير الصحفي أكثر من 107 آلاف كلمة تُفسّر وتحلل وتوثّق وتؤصّل لجذور الصورة الذهنية المتسامحة التي ميّزت سُمعة السلطنة في المحافل الدولية كافة .
ومع قراءة وتحليل نحو 98 خطابًا رسميًا للسلطان الراحل و51 حوارًا صحفيًا ونصوص المراسيم السلطانية المُتعلقة بالشؤون الخارجية تحديدًا على مدار السنوات الخمسين الماضية شَعرتُ بأنني – على المستوى الشخصي – أُعيد اكتشاف شخصيّة السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور ” رحمة الله عليه ” ليس بوصفه حاكمًا حكيمًا فحسب وإنّما على مستوى تركيبته الإنسانية وفِكره المُنفتِح وفلسفته العملية والموضوعية التي لا تقفز على حقائق الواقع أو تُخاصِم المنطق.. بل شعرتُ بأنني أعيد اكتشاف عُمان التي بدا لي أنني عشت فيها نحو 6 سنوات دون الاقتراب بما يكفي من ذاكِرتها؛ عقلِها وروحها؛ التي كانت العِماد الأساسي لصرح النهضة في المجالات كافة.
وتوثيقًا وتخليدًا لتراث الدبلوماسية العمانية الهادئة يقدم الكاتب دراسة توثيقية مُطوّلة في أكثر من 430 صفحة لتعريف الأجيال الجديدة بتحديات وإنجازات دبلوماسية عُمان وحيادها الإيجابي في عهد النهضة المباركة وتوضيح ما قصده صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم / حفظه الله ورعاه / في تعهده الأول ” سنبقى كما عهدنا العالم .. وسوف نترسّم خُطى السلطان الراحل مُؤكدين على الثوابت التي اختطها لسياسة بلادنا الخارجية” .
وتُفسر ما في قول صاحب الجلالة من معاني الوفاء وحُسن التقدير والإيمان بنجاعة النهج العُماني الذي ترسّخ على مدار نصف قرن؛ في عهد السلطان الراحل ” طيب الله ثراه ” حتى صار أيقونة للسلام والتسامح والتعايش والحياد ومثالا يُحتذى به إقليميا وعالميا.
وأكد الطائي أن المؤلف تمكّن من المرور – بأناقة لغوية بين حقول من الشوك في سرد وتحليل التحديات التي اجتازتها السلطنة في سبيل الوصول إلى اتفاقيات حدودية عادلة مع جاراتها الخمس إلى جانب توضيح العوامل التاريخية – اقتصاديا وسياسيًا – التي بنت عليها السلطنة موقفها من الدعوة إلى “اتحاد خليجي” والتزامها بالعمل على تحقيق أهداف “مجلس التعاون الخليجي” بصيغته الحالية، على أرض الواقع.
يتضمن الكتاب ملحقًا وثائقيًا مُصورا يتضمن عدة وثائق مهمة منها المراسيم السلطانية الصادرة في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور ” طيب الله ثراه ” والتي رسمت المسار السياسي لجلالة السلطان هيثم بن طارق منذ بداية عمله في وزارة الخارجية العُمانية وكذلك المراسيم المتعلقة بالاتفاقيات الحدودية مع الدول الجارة للسلطنة في عهد النهضة المباركة إلى جانب العشرات من الصور النادرة للسلطان الراحل ” رحمه الله ” مع قادة مختلف دول العالم وكذلك صور لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم / أعزه الله / خلال فترة عمله في وزارة الخارجية العُمانية فضلًا عن العديد من الصور النادرة لمعالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية والذي وصفه المؤلف بـ”ذاكرة الدبلوماسية العُمانية اليقظة”.
وتحت 100 عنوان رئيسي وفرعي لم يغفل الكتاب العوامل التي شكّلت الهوية العُمانية المتسامحة داخليًا بما فيها محاور التسامح الديني والمذهبي وتثقيف النشء وتنويع المصادر المعرفية للشباب وحُسن استيعاب المُقيمين من مختلف الجنسيات والانفتاح على ثقافات وفنون مختلف شعوب العالم إلى جانب محور الانضباط الإعلامي الذي كثيرًا ما أشاد به السلطان الراحل ” طيب الله ثراه ” ومن ذلك قوله ” نؤمن بوجود صحافة منطقية ، صحافتنا ليست وسيلة خصام ، بل سفير ينقل رغبة أمة إلى أمة أخرى ، صحافة رأي حر وبنّاء وملتزم وناضج قائم على الدراسة والفهم”.