منع الحركة بركة
حمدان بن سعيد العلوي
صدرت توجيهات اللجنة العليا المكلفة بمتابعة جائحة كورونا، من ضمنها منع الحركة والتنقل عند الساعة السابعة مساء وحتى السادسة صباحا، هدأت الشوارع من الضجيج وأصوات السيارات، الجميع في منازلهم بين أهليهم، لا أحد يفكر بالخروج، تغيرت العادات الليلية ليتسمر الجميع إما على شاشات التلفاز أو بقضاء الوقت مع الهاتف، وأبدع آخرون في المطبخ، والبعض انشغل بأمور كان قد تركها بحجة ضيق الوقت، تغير الوضع لدينا جميعا، وبقيت عيون الشرطة تحرسنا، وملائكة الرحمة ترعانا وتسهر على راحة مرضانا، إلا أن البعض تذمر واشتاط غضبا وحاول الفرار خارج المنزل، ولكن لله الحمد أجهزتنا الأمنية والعسكرية كانت له بالمرصاد، وجدنا خلال الأيام القليلة الماضية متعة مختلفة كنا نجهلها أو نتجاهلها، ألا وهي الجلوس في المنزل، الذي كنا نعتقده سجنا بين الجدران، ونبحث عن الراحة النفسية خارج أسواره، تعرفنا على البرامج التلفزيونية والقنوات المختلفة، استمتعنا باللعب مع أطفالنا وشاركناهم يومهم المليء بالفرح والسعادة، اكتشفنا بأن البيوت السعيدة لا ينقصها سوى وجودنا، أطفالنا يشتاقون إلينا حينما نغادر المنزل، ونحن بشوق دائم للخروج، فهل سنستفيد من هذه التجربة ونتأقلم مع أنفسنا على الوضع الجديد علينا؟
قد أكون واحدا من بين ملايين البشر التي آرائهم تختلف عن رأيي، ولكنني أرى بأن الوضع الحالي فرصة لتوفير الوقت ومراجعة سلوكياتنا، رغم تذمر البعض واعتباره قرارا صعبا عليهم، ولكن هناك حديث آخر يدور في ذهني، وهو الاستهتار قبل قرار منع الحركة، العديد من الأشخاص الذين إذا اتبعت سلوكيات الوقاية تذمروا منك وقالوا (شكاك)، والكثير منهم يضحكون سرا إذا تحدثت بأسلوب الوقاية وغسل اليدين والابتعاد عن ملامسة الأسطح أو مشاركة الآخرين أغراضهم سواء في المكتب أو أي مكان آخر، وتجدهم يتهامسون وتجول بينهم الابتسامة ولا تستبعد أن يصفونك (بالمجنون) الذي فقد عقله، أراهم يتسوقون ويشترون ما يشتهون وبدون أي إحساس بالمسؤولية يرمون الأكياس على أطفالهم في المقعد الخلفي، وقد شاهدت العديد من هذه المواقف حيث يفتح الأطفال تلك الأكياس فرحين بما في داخلها.
هل تعلم عزيزي القارئ خطورة الوضع؟ فالسوق وأكياسه وما بداخله ليس آمنا، وقد يكون تعرض للملامسة من أحد المرضى أو ناقلي الفيروس.
تصادفنا العديد من المواقف بعضها في مراكز التسوق من يلبس (الكمامة) ويظهر أنفه ليتنفس الهواء النقي وهذا ما يعتقده، ولكن ما فائدة لبس الكمامة وأنفك هو أسهل طريق لدخول الفيروس إليه؟
البعض يقول قوي إيمانك بالله وتوكل عليه ولن يصيبك هذا الفيروس، نعم ثقتنا بالله عز وجل ونعم بالله ولكن لابد أن نأخذ بالأسباب، صدقوني هناك فئة بسببها زادت أعداد المصابين لدينا، وهم لا يدركون مدى خطورة الوضع، أتحدث عن خطورة الوضع بالنسبة لتزايد الأعداد لا لخطورة المرض نفسه، فالبعض تعافى ولله الحمد ولم يشعر إلا بأعراض خفيفة، ولكن الخوف على كادرنا الصحي من فقدان السيطرة على الوضع بسبب تزايد الأعداد، وقرار منع الحركة صائب ومفيد في ذات الوقت خصوصا خلال الأيام التي تم تحديدها، فالمجتمع لا يمكن المراهنة على وعيه ولو التزمت نسبة كبيرة منه، إلا أن النسبة القليلة قد تحدث كارثة بسبب استهتارها.
وانتشار الفيروس لا يعني عدم التزام الجميع إنما قد تكون فئة قليلة هي السبب، وبإذن الله تقل أعداد المصابين وتزداد حالات التعافي، وتعود عمان إلى وضعها الطبيعي من جديد، وتبقى تجربتنا بالبقاء في المنزل رائعة ومن الممكن تغيير جدولنا اليومي بقضاء أعمالنا خلال فترة الصباح ونقوم بتأجيل الأعمال المسائية لأنها خاصة بالمنزل، وأن لا نفوت الجلوس مع الأهل والاستمتاع بمشاهدة التلفاز أو القيام بالأعمال المختلفة، وكلمة الشكر نسجلها لرجال شرطة عمان السلطانية وقوات السلطان المسلحة والكادر الطبي وجميع الجهات ذات العلاقة على الدور الذي يقومون به من أجل عمان، وأخيرا هل تتفقون معي بأن منع الحركة خلال الفترة التي تم تحديدها مُجدٍ ومفيد في ظل هذه الأوضاع وتؤيدون تمديده؟
وكما أرى بأن منع الحركة بركة في هذه الأيام.