الحل بأيدينا ، والحب أفعال
د . أمينة بنت راشد الراسبية
يكمن رقي المجتمعات وتقدمها في أسلوبها في التعامل مع مجريات الحياة ومستجداتها ومدى التكيف والـتأقلم مع الأزمات من منطلق الحرص على سلامة الأرواح وحضور الوعي بين الأفراد، فالمورد البشري من الموارد الأساسية لتنمية وتطور البلدان متى ما كان هناك تجاوب تام بين المورد والجهود المبذولة وإحساس بالمشكلة ورغبة في تحقيق الهدف.
مشاعر متضاربة تنتابنا ، بين حزن لما نقرأه في وسائل التواصل وما يصلنا من تقارير عن أعداد المصابين وأعداد الوفيات ، وتفاؤل بأن اليوم التالي سيكون اليوم المبشر بالخير من انخفاض أعداد الإصابات وازدياد حالات الشفاء، وأننا سنعود تدريجياً لحياتنا الطبيعية كما كنا، ولكن سرعان مايتغير هذا الشعور ليصل للحزن الشديد حينما نقرأ أعداد الحالات للألف فما يزيد.
نحن الآن على مشارف العيد (عيد الأضحى المبارك) لنفرح بالعيد لابد أن يعم الفرح القلب ويجد القلب متنفسا للفرح بالصحة والعافية وبتزايد حالات الشفاء وتقليل لحالات الإصابة ، هنا سيكون العيد عيدين ، ما أحوجنا للتماسك في هذه الفترة فنحن في احتياج شديد لبعضنا البعض، نحن الرهان بمدى الوعي والقدرة على التخفيف من حدة هذه الأزمة بدلاً من السماح لها بالتفاقم والخروج عن السيطرة ، الكثير منا يحفظ هذه المقولات القديمة (درهم وقاية خير من قنطار علاج) ، (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يعرفها إلا المرضى)، ومذ كنا صغارا كنا نرددها لكن للأسف ما نراه حاليا له دلالة على أننا لم نطبق هذه المقولات على أنفسنا فما ذنب الملتزم في منزله؟!وفجأة يتعرض للخطر بسبب زائر مصاب أو مخالط..
إن اختل ميزان العيش ونقصت الأعداد وتهاوت الأرواح بسبب هذا المرض ، فهذا يعني أننا نحن من أوصلنا بأنفسنا إلى حافة الهاوية ، حيث قال تعالى في كتابه العزيز:”وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ” [البقرة ١٩٥]، إن كنا حقا نحب عمان ، فلنؤكد ذلك بالدليل والبرهان ، فالحب أفعال ، وليس إدعاءات وكلام ، لنثبت للعالم أجمع أن العماني إذا قال فعل ، وإذا أقدم على عمل نجح.
لم تأل الحكومة الرشيدة جهدا ولم تدخر وسيلة من أجل راحتنا وصحتنا ، فقد سنت القوانين ووضعت الإجراءات لفترة ليست بالبسيطة لأنها وضعت ثقتها فينا نحن الشعب ، الفرد ، المجتمع معا ، حتى مواقع التواصل الاجتماعي كثرت فيها التوجيهات والقصص الحزينة لوفاة تلو وفاة ومصيبة تلو مصيبة ومعاناة تتلوها معاناة وكلها لأسباب معلومة يدركها الشخص نفسه. لم نوصل أنفسنا ونعتصر بمرارة الألم وغصة المعاناة؟ ، لم نساعد في شقاء أنفسنا وأحبتنا بدلاً من أن يكون لنا موقف وننقذ حياة قبل أن يفوت الأوان؟
الكل يعلم ماهية الفيروس المسبب للمرض والكل أيضاً يعلم مسببات انتشار العدوى طالما هناك تجمع وابتعاد عن اتباع التدابير الاحترازية لمقاومة المرض وكل منا يعلم كيف يقي نفسه وأسرته من مخاطر هذا المرض، أهذا هو ماحثنا عليه الدين الإسلامي وأوصانا به النبي الكريم :” المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا”، وخطاب السلطان قابوس –رحمه الله– الذي يؤكد على المسؤولية والالتزام بالمسؤولية لحماية هذا الوطن ومن يعيش على أرض هذا الوطن (الوطن في النهاية هو الحياة ، والمواطنة مسؤولية).
إن كانت عمان بالقلب ،فتعالوا لنثبت ذلك بالتزامنا في منازلنا وعدم خروجنا إلا للضرورة القصوى وتجنبوا كل السلوكيات التي تعرضكم وتعرض غيركم للخطر ، لانريد الردع الخارجي و الرقابة الخارجية ،نستطيع أن نحمي أنفسنا وأحبتنا بالرقابة الذاتية ، لنصبر ونتحمل ومرحباً بالصبر إن كانت عاقبته الراحة والصحة لعمان المستقبل.
كفانا عتابا وإلقاء اللوم على بعضنا البعض وعلى الحكومة في إلزامية الحظر ، لماذا لا يكون لدينا الحس الوطني بالمسؤولية ونقي أنفسنا ويكون كل فرد فينا مسؤولا أمام الله والوطن والسلطان ونتعاون بالالتزام وننصح بالحسنى ونسترجع الآثار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية لهذا المرض والذي أثر على العالم أجمع، أهذا مانرتضيه لعمان ؟! أهذا ماتستحقه منا عمان؟!
اشتقنا للمدارس ولمراسيم رفع علم السلطنة والنشيد السلطاني، ولصوت جرس الطابور ولمشهد الفرح بأعين الأطفال والبسمة الصادقة المرتسمة على الشفاه ، وهم يخرجون من صفوفهم للشراء من الجمعية التعاونية فمن بعد الثاني عشر من مارس 2020 حرمنا من هذا كله ، بسبب هذا المرض، ألا يكون كل هذا مدعاة لنتغير ولنغير نهجنا الخاطيء وممارساتنا اللامسؤولة واللامبالاة المتناهية.
إن كان حبنا حقيقيا لعمان وباني عمان المغفور له السلطان قابوس –طيب الله ثراه– والتزاما بعهدنا للسلطان هيثم -حفظه الله ورعاه- فعلينا ترجمة هذا الحب لأفعال والكلام لممارسات حياتية واقعية تشع نورا وحبا لعمان، وعلينا إثبات هذا الحب بالفعل والدليل والبرهان.
نستطيع أن نغير هذا الواقع فالحل بأيدينا فكفوا عن كل هذا ولنكون أفضل من الآن فصاعدا مامن أمر مستحيل ستتحسن كل الأمور وستنهض عمان بفضلنا جميعا نحن أبناء عمان ، وسنعود كما كنا وأفضل ، لأجل عمان.