الذكاء الذي يقتله الغباء!
أحمد بن موسى بن محمد البلوشي
يُحكى أن سيدًا كان يشهد له الجميع بالاحترام والذوق والرقيّ في التعامل، وفي يوم ماطر وقف ليشتري بعض الورود من المحل الموجود بناصية الطريق المؤدي لمنزله، أعطته البائعة العجوز الورد وتناولت منه الورقة النقدية، ووضعتها في محفظته، لكنها لاحظت شيئا، لقد طبعت الورقة على يدها المبللة بعض الحبر، وعندما أعادت النظر إلى الورقة النقدية التي تركها السيد الأنيق، وجدت أن يدها المبتلة قد محت بعض تفاصيلها، فراودتها الشكوك في صحة هذه الورقة؛ لكن هل من المعقول أن يعطيها السيد المحترم نقوداً مزورة؟ومن أين له أن يأتي بها؟ هكذا قالت لنفسها في دهشة! ولأن الورقة النقدية ليست بالمبلغ الهين في ذاك الوقت؛ فقد أرادت المرأة المرتبكة أن تتأكد من الأمر، فذهبت إلى الشرطة، التي لم تستطع التأكد من حقيقتها، فقال أحدهم في دهشة: لو كانت مزيفة فهذا الرجل يستحق جائزة لبراعته.
قررت الشرطة تفتيش منزل الرجل، وفي مخبأ سري بالمنزل وجدوا بالفعل أدوات لتزوير الأوراق المالية، وثلاث لوحات كان قد رسمها هو، وذيّلها بتوقيعه. المدهش في الأمر أن هذا الرجل كان فنانا بارعًا، لقد كان مبدعا للغاية، وكان يرسم هذه النقود بيده، ولولا هذا الموقف البسيط جدا لما تمكن أحد من الشك فيه أبداً. والمثير أن قصة هذا الرجل لم تنتهِ عند هذا الحد! لقد قررت الشرطة مصادرة اللوحات، وبيعها في مزاد علني، وفعلاً بيعت اللوحات الثلاث بمبلغ كبير جدًا؛ حينها كاد الرجل أن يسقط مغشيا عليه من الذهول، رسم لوحة واحدة من هذه اللوحات كان يستغرق نفس الوقت الذي يستغرقه في رسم ورقة نقدية! لقد كان هذا الرجل ذكيًا للغاية، وموهوبًا بشكل يستحق الإشادة والإعجاب؛ لكنه أضاع موهبته هباء، واشترى الذي هو أدنى بالذي هو خير. وحينما سأل القاضي الرجل عن جرمه قال: إني أستحق ما يحدث لي؛ لأنني ببساطة سرقت نفسي قبل أن أسرق أي شخص آخر!
قال (أبراهام لينكون): “تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، وتخدع بعض الناس كُلّ الوقت، ولكن لا تستطيع أن تخدع كُلّ الناس كُلّ الوقت”.
إن من أهمّ العوامل السلبية التي تؤثّر على إيجابيتنا وطموحنا في إنجازِ ما نبتغيه هو أنفسنا بالدرجة الأولى، أكثر مما يفعله المثبطون الحاقدون بنا، فكم من عبقري تمنّى أمنيةً ولم يحقّقها أتت على عبقريته دناءة الهمة وخسة الطموح وانتهت أحلامه عند حدود أمنياتهِ التافهة؛ لذلك يتوجب علينا أنّ نستغل طاقاتنا التي وهبنا الله تعالى، فالإنسان وليد طاقته، وأن نُفعل بصيرتنا لتحقيق طموحاتنا، وأن نتمسّك بالشخص الذي يربت على كتفِنا ويدعمنا، وأنْ لا نوجه أصابع النقد والاتهام لما يحدث لنا نحو المجتمع والآباء والدنيا.
يقول (فريدريك نيتشه): “أكثر الأكاذيب شيوعًا هي أكاذيبنا على أنفسنا، أما الكذب على الآخرين فهو عادة استثنائية”.
كم منا تنازل، وباع ذكاءه وطموحه بعرض بسيط؟!