2025
Adsense
مقالات صحفية

أين لنا بمرشد آخر؟

بقلم : خلفان بن خميس بن علي الرواحي

محرم لست مرتبطا بها لأني عملت لأكثر من عشرين سنة متواصل من العام الدراسي ٢٠٠٢/٢٠٠١ م فقط وإنما هناك ترابط اجتماعي سابق.. ما أذكره أنه كان والدي يقودني معه لمحرم هو ضرير ولكن يعلم الطريق فكنت أقوده بيدي وهو يرشدني بلسانه وكأنه يرى الطريق أمامه كان لا ينقطع عن زيارة ( النطالة) حيث صاحبه النبهاني في ذلك البيت في تلك الربوة لم نكن ضيوف مطلقاً، الحياة البسيطة ورحابة القلوب ووسع الصدور كانت سمات لا نجدها هنا..

كم مرة سبحت في ذلك الحوض الصغير مقابل المجلس الذي يطل على ضاحية في الأسفل ينفصلان عن بعضهما بطريق فقط.

أشجار الفافاي والسفرجل والعنب كانت تحيط بالحوض كل هذا يشعرك بأنك في مكان حالم و داخل البيت كانت شجرة التين الأحمر وكم جلسنا تحتها نتناول القهوة والفاكهة الطازجة مما حولنا من الثمار .. مرات كنا ننزل معه للضواحي الداخلية ونجلس أنا وأبي وهو يكمل أعماله الزراعية من العجيب أنه كان يقطع سعف النخيل بسكين ولا يستخدم المجز أو المنشار لم تكن عادية وهي لا تفارقه..

حياة بسيطة أحياناً بعد تناول القهوة وتسجيل الحضور وحجز الغداء كنا نمر على العديد من البيوت نجد صاحبها الذي نقصده أو لا ولكن ما أذكره قبل صلاة الظهر نعود إلى سبلة تطل على الوادي وأمامها من الجنوب مسجد النطالة هناك يجتمع الآباء يتبادلون الأحاديث وهناك بعض الكتب على الروازن.

كانت تلك بعض الذكريات في الوادي قبل أن انتقل للعمل بمدرسة أبو مسلم الرواحي ( البهلاني) للتعليم الاساسي ٥ – ١٢ في العام الدراسي ٢٠٠١ / ٢٠٠٢ م المدرسة البعيدة نوعاً ما عن قريتي بحكم صعوبة الطريق وهناك التقيت بالأستاذ (مرشد) الذي كنت أعرفه ولكن لم أتعامل معه سابقا، الكل كان ينقل لنا بساطته في التعامل وسماحة أخلاقه وكرمه وتفانيه في العمل وعندما عشت معه اكتشفت الكثير من الأمور غيرها في ذلك الرجل الذي بنى نفسه بنفسه وكما يقول هو أن والدته هي من اهتمت به منذ الصغر ورعته رعاية الأم والوالد معا.

في الوادي، ( مرشد) ليس فقط معلما أو مديرا وإنما هو المدرسة كلها وهو الإمام وهو عاقد القران وهو المستشار الذي يأخذ برأيه دوماً عند وقوع أمرا ما، كما أنه هو وكيل الفلج والمشرف عليه ، الوادي لا ينطق إلا باسم واحد فقط ( مرشد).

بدأ العمل في التربية والتعليم في عام ١٩٨١ م معلما لمادة التربية الإسلامية بمدرسة أمطي بولاية إزكي حتى عام ١٩٨٤ م انتقل بعدها لمدرسة مازن بن غضوبه بولاية سمائل وظل فيها حتى عام ١٩٨٧ م حيث انتقل لمدرسة أبو مسلم معلما وبعدها تم تكليفه بمهام مدير المدرسة وذلك في عام ١٩٩٥ م من ذلك الوقت وهذا الربان يمسك بدفة المدرسة ويمخر بها دوماً لشواطئ العلم والمعرفة ويضيف في كل عام العديد من الإنجازات والمشاريع التربوية.

كان هم الأستاذ مرشد الطالب وتوفير كل ما يساعد في دفع العملية التربوية لذلك اهتم بالمشاريع ذات العلاقة بذلك ومن أهمها مشروع الشاشات التلفزيونية بالصفوف الدراسية وذلك من أجل الاستفادة من التقنيات الحديثة في التعليم ويأتي الملعب المعشب بالعشب الاصطناعي ضمن تلك المشاريع والتي تهدف لتوفير المكان المناسب لممارسة مختلف الألعاب الرياضية والذي يعتبر نقلة نوعية مقارنة بالمدارس المجاورة في الولاية ولولا جهود الأستاذ مرشد لما رأى هذا الملعب النور وتأتي جائزة أبو مسلم للتحصيل الدراسي ضمن المبادرات التي أطلقها والتي تهدف لتكريم طلاب الثاني عشر بالمدرسة من أجل خلق التنافس ببن الطلاب لتحقيق النسب العليا وهذه الجائزة بدعم مادي منه لطلابه.

لم يكن ينظر إلى الطالب على أنه طالب فقط وإنما يضعه في عينيه كولي أمره لذا لما ينادي على الطلاب لا يناديهم بأسمائهم ولكن بأسماء آبائهم لذلك كان الطلبة قريبين منه يجلسون إليه يتحدثون ويشكون إليه أحياناً، تلك الميزة فيه خلقت له الحب بين الطلبة والاحترام والتقدير من أولياء الأمور. التواضع سمة من سماته حتى أنه كان لا ينادي سائقي الحافلات بأسمائهم وإنما لابد ان تكون كلمة (عمي) قبل الاسم مع أن من ضمنهم من هم أصغر منه سنا بسنوات ولكن تلك هي سمته التي خلقت معه ولا يتصنعها.

وصل الطريق بمرشد حتى النهاية والعام الدراسي ٢٠٢٠ / ٢٠٢١ م سيكون العام الذي يترك فيه المدرسة. كل ركن من أركانها سيفقد نبرة صوته وحركته تلك الطرقات والممرات التي كان يتحرك فيها منذ الصباح الباكر وحتى خروج الجميع، الطلاب والمعلمين وحتى العاملين رحلة ستكون نهاية فصولها في ١٦ / ٨ / ٢٠٢٠ م مع بداية العام الدراسي القادم سنفقد وجوده عند بوابة المدرسة وهو يستقبل الطالب والمعلم سوية بتحية يغلفها الحب والاطمئنان والسؤال.. هل سيكون لنا مرشد آخر؟

خبر تقاعده وانتشاره في مواقع التواصل المختلفة كان له وقعه الخاص فقد تفاعل العديد من المتابعين وعبروا بكلماتهم الجميلة بعفوية وحب عن الأستاذ مرشد والمجال لا يسمح بنقل كل تلك الكلمات والعبارات من أولئك الذين كتبوا الدكتور/ يعقوب الندابي حيث كتب: أخي وأستاذي الجليل والمربي الفاضل الأستاذ مرشد الرواحي مدرسة خلق وأدب ورقي في التعامل والتسامح.. تعاملت معه عن قرب فوجدته دمث الأخلاق فمرشد اسم على مسمى ولا غرابة إن قلت أن أبناء قرية وادي محرم بمختلف أجيالهم المتعاقبة هو أستاذهم والمربي الفاضل لهم. حفظك الله ورعاك أستاذي الجليل.

آخر الكلام:

حتى تحب من الناس لابد أن تحبهم أنت وتبذل الكثير من الأعمال لذلك، ( مرشد) فعل هذا أحب الجميع فأحبه الكل.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights