وقت الفراغ والدور الأسري في استغلاله
.سعيد بن راشد الراشدي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على معلم البشرية الهادي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد فإن الوقت نعمة عظيمة من نعم الله تعالى علينا أمرنا الله سبحانه وتعالى باستغلالها فيما ينفعنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا وحذرنا من إضاعة الأوقات فيما لا ينفعنا من أمور حياتنا المختلفة.
والوقت يعتبر من الموارد الثمينة إن ذهبت فإنها لا تعود، ولأهميته نجد الله سبحانه وتعالى قد أقسم في سور كثيرة من القرآن الكريم وبأجزاء معينة من الوقت وذكره في كتابه العزيز في كثير من المواضع القرآنية الكريمة حيث قال الله تعالى في كتابه العزيز:” وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ” {العصر1- 3}. وفي موضع آخر في كتابه الكريم: ” وَالضُّحَى* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى” {الضحى 1 – 2}.
وقد أشار سبحانه وتعالى إلى أهمية الوقت وقدسيته في كتابه العزيز: ” وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عشر” {الفجر1-2}. وقول الله تعالى: كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ {الذريات 17 – 18}
كما جاء في السنة النبوية الشريفة ما يؤكد على أهمية الوقت فعن ابن عباس –رضي الله عنهما– قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهناك كثير من المواضع الكريمة التي ذكر الله سبحانه وتعالى فيها الوقت مما يؤكد لنا على أهمية الوقت وعظِم شأنه في حياتنا بصورة عامة وشاملة، ويلفتُ نظرنا للتذكر والاعتبار والمراعاة لجميع أوقاتنا، وأن نحرص كل الحرص على استغلالها بالصورة المُثلى بما يفيدنا ويفيد الآخرين، وتعود علينا وعلى مجتمعاتنا بكل خير وكل فائدة.
إن الحرص على الوقت وكيفية استغلاله يتطلب منا جميعاَ التخطيط الجيد له، واستثماره الاستثمار الأمثل وبالصورة الصحيحة.
وأن الامم والشعوب ما تقدمت وأحرزت ميادين السبق في مختلف الميادين والمجالات إلا إنها استغلت أوقاتها حٌسن استغلال واستفادت من أوقاتها بالصورة المُثلى، واستغلت زمانها فيما يخدمها ويعود عليها والآخرين بالخير والعطاء، ولم تضيع لحظة من لحظات حياتها بدون فائدة أو مصلحة فكانت؛ تحرص على استغلال أوقاتها بكل جدٍ واجتهاد وعمل بما يحقق لها ولمجتمعاتها كل الخير والرفاهية والسعادة.
وقد كان سلفنا الصالح سادة الأمم والشعوب بعملهم وجدهم واجتهادهم واستغلال أوقاتهم، ويقول الحسن البصري: “أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم” (شرح السنة 255/14). حيث كانوا يحرصون كل الحرص على عمارة الأوقات ويحذرون من إضاعتها في غير فائدة مرجوة سواءً في دينهم ودنياهم. وقد قيل في الأمثال “الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك” .
إن نعمة الفراغ نعمة عظيمة يجب استغلالها فيما ينفع النفس ويفيدها ويُدر عليها بالخير والسعادة والهناء في الدنيا والآخرة، وأن مما يؤلم النفس ويحزن القلب ويؤسف له نجد اليوم كثرة التفريط في الأوقات وإضاعتها في كثير من الأمور التي لا تعود بالنفع والفائدة.
فما واجبنا نحن كأولياء أمور تجاه أبناءنا في كيفية استغلال أوقاتهم الثمينة؟
بدون شك فان دور الأسرة ودور الوالدين في تنظيم الأوقات وحُسن استغلالها بالصورة الإيجابية لدى كل أفراد الأسرة دور كبير ودور هام، ويتمثل في عملية التخطيط الجيد والمسبق للوقت وكيفية استغلاله بالصورة التي تعود على الأبناء وعلى أفراد الأسرة بالنفع والخير والسعادة في الدنيا والآخرة.
علينا نحن كأولياء أمور من آباء وأمهات أن نكون نحنُ القدوةَ الحسنة أمام ابناءنا في عملية تنظيم أوقاتنا في الأسرة ، وأن نجتهد كل الجهد في حفظ أوقاتنا ونحرص كل الحرص عليها والاستفادة منها بما يعود علينا وعلى أسرنا بالنفع والخير في الدين والدنيا والاخرة.
ايضاً علينا أن نحرص على التوجيه السليم لجميع أفراد الأسرة في كيفية توظيف أوقاتهم الثمينة بما يعود عليهم بالنفع والفائدة مثل: الاهتمام بالقراءة والمطالعة في الكتب المفيدة كلاً حسب مرحلته العمرية، وأن نغرس في نفوسهم قيمة الكتاب وفائدته، وكذلك غرس قيمة العمل التطوعي في نفوسهم لينمو لديهم حب العمل بصورة عامة والعمل التطوعي بصورة خاصة؛ ليخدموا أنفسهم ومجتمعهم.
أيضاً نحرص كل الحرص على تشجيعهم وتحفيزهم بمختلف أساليب التعزيز لما لها من دور فاعل وكبير في نفوسهم، مع التوجيه المستمر لهم بأهمية استغلال أوقاتهم فيما ينفعهم ويحقق لهم التقدم والنجاح.
وأخيراً فان التخطيط الجيد والناجح للوقت وحُسن استغلاله بالصورة الإيجابية يعود علينا بالنجاح والسعادة، ويمكن اعتباره أحد المعايير المهمة للنجاح في هذه الحياة، إذ أن السمة المشتركة بين كل الناجحين هو قدرتهم على الموازنة بين الأهداف التي يسعون لتحقيقها وأوقاتهم وكيفية استغلالها للوصول لأهدافهم بكل يُسر وسهولة.
نسأل الله تعالى أن يعيننا على المحافظة على أوقاتنا ونُحسن استغلالها على الوجه الأكمل بما يرضي ربنا وفيما ينفعنا ويفيدنا إنه سميع مجيب.