إتقان العمل وبناء الأوطان
خلفان بن ناصر بن سعيد الرواحي
حثّ الإسلام على الإتقان ؛وجعله من الأساسيات التي يقوم عليها إعمار الكون ورفعة الإنسان وسموه، سواءً كان في العبادات التي يقوم بها العباد، أو في الأعمال الدنيوية التي يقومون بها والتي تعود عليهم بالنفع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فالإنسانُ خُلق وَكُلِّفَ بعبادةِ اللهِ عزّ وجل على أكمل وجه، وهو أيضاً مُكلّفٌ بواجباتٍ عديدةٍ ومُختلفة يُؤدّيها بأمانةٍ وإخلاصٍ تجاهَ وطنه وأسرته ومُجتمعهِ والمكان الذي يعيشُ فيهِ، فعليهِ تقديم يدَ العونِ ومساعدة الآخرينَ في قضاءِ حوائجهم وفق قدراته وإمكاناته ، والعمل على تسهيلِ أمور حياتهم، من منطلق التكاتف والتعاون بين الأفراد، أو من باب الواجبات والحقوق للوطن والأسرة والأرحام، كما أنَّ عليهِ إتقانُ العملِ الذي يقوم به؛ فالإنسانُ ما خلقهُ اللهُ عز وجلَ إلا ليعملَ ويعمرَ الأرضَ، قال تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)[هود:٦١].
فلا يكفي من الإنسانِ ولا يرضى منه الله عزّ وجلّ عبادته فقط، بل وجب عليهِ العملُ بجدٍ واجتهاد وهمّةٍ عاليةٍ، فالعمل عبادة، وعليه إتقان ما قدّمه من عمل لنفسه ووطنه ومن يعيش عليه كافة دون تمييز أو تخاذل؛ لينال التوفيق والنّجاح في الدنيا، والفلاح والأجرَ والثوابَ في الآخرة من اللهِ سبحانهُ وتعالى.
وقد ورد في كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ما يدل على ذلك ؛ فقال تعالى في كتابه العزيز : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[التوبة:105]، كما جاء أيضاً في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ) ؛ ففي الآية و الحديث دليل واضح في الحث على إتقان العمل، وأنّ الله سبحانه سيُخبر ويجازي كلّ فرد يوم القيامة بالعمل الذي قام به، ومقدار ما ناله من أجر وثواب على عمله ، أو عقوبة نتيجة التقصير وعدم الإتقان.
كما يعد الشخص الذي يتقن عمله هو محبوبٌ من الله ورسوله ومن الناس أيضاً، ويكون حينها فرداً منتجاً ومساهماً في بناء ورفعة الوطن، وربما يعمّ ذلك النفع خارج نطاق الوطن، وهناك دافعٌ كبير لإتقان العمل؛ وهو ابتغاء حب الله وإعمار الكون.
ومن الأمثلة الحية لشعوب العالم والمثل القوي الذي يضرب به دائمًا في عصرنا ، وهو اليابان ؛ فالمواطن الياباني بطبيعته غير ذكي ذكاءً خارقاً كما نتصور في أذهاننا، ومعدل ذكائه لا يفوق المواطن العربي أو الشعوب الأخرى ؛ ولكن تكمن قوتهم ونهضتهم في أنّهم متقنون لأعمالهم، ويقومون بها على أكمل وجه وبطريقة جماعية لتكونَ أعمالٌ مُثلى، لذا فإتقان العمل قيمة عظيمة، وهو عبادة كبيرة، وهو سبب التقدم ودليل كل استمرارية لبناء الأوطان ، والبحث عن التطوير بما يتواكب مع التقدم التكنولوجي المعاصر ، فلذلك يجب الحرص عليه والعمل به للوصول لأعلى المراتب في الدنيا والآخرة، وليكون وطننا عُمان موطن قوة بسواعد ابناءها المخلصين المتقنين لعملهم.