يوليو 2020
نصراء بنت محمد الغمارية
للمرة الأولى منذ خمسين عاماً يطل علينا شهر يوليو حزيناً مضمخاً باللون الرمادي، لون باهت لا روح فيه، لون يخلو من جمال حياة كانت البلاد تنتظرها بشغف كل عام، شهر يوليو الذي ارتبط بوالد الشعب ورائده، ومطلق نهضة عمان الحديثة، المغفور له – بإذن الله تعالى – السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، طيب الله ذكره وغفر له وأسكنه فسيح جناته.
يوليو 2020 ليس كما قبله، فالذاكرة لا تزال رطبة بسلطانها الذي فارق الحياة، ومشاهد الاحتفالات الوطنية لا تزال أصداؤها في النفوس والأسماع، ومعالم الفرح وملامح البهجة التي تزدهي مثل غيمٍ ماطرٍ فوق سماء عُمان لا يمكن نسيانها، والأهازيج الشعبية التي تعمر أراضي عُمان على اختلاف محافظاتها وولاياتها وقُراها شاهدة منذ (الدراويز) التي كانت تزين مداخل الولايات، وصولاً إلى ديباجات منصات التواصل الاجتماعي في القرن الحادي والعشرين، وزينات الشوارع التي تحتفل على طريقتها في كل مساء من يوليو المجيد تدخل في مساحات لونية ساحرة وملفتة في شوارع العاصمة مسقط وسواها من المحافظات.
يوليو 2020 ليس كما قبله؛ لأن الذي كان بلغة الحضور يحتفي به مع الشعب كل عام عبر إطلالات خطابية سامية، أو احتفالات تكتب مباهجها بماء الحياة، لم يعد حاضراً، ولكن روحه في كل ركن وزاوية، في كل قرية وولاية، في الجبل والسهل والساحل والرمل، في نفوس الكبار والصغار، في قلوب الرجال والنساء، في عاطفة الأطفال على اختلاف أعمارهم، كل شيء في عُمان كان اختصاره (بابا قابوس)، وهذا الاختصار صار هو العلامة على الهوية الحضارية المعاصرة في البناء والسلم والمستقبل والمحبة والمثال العالمي على الانسجام الوطني والحضاري على حد سواء.
يوليو 2020 سيبدأ منذ هذا العام رحلةً جديدةً من الاستذكار الوطني، لرجلٍ أفنى حياته في خدمة شعبه ووطنه، لرجلٍ اجتهد في تحويل الصفر على الأرض إلى حضارة ممتدة على طول عُمان وعرضها، لرجل أنبت شجرة السلام في القلب قبل أن يرويها بالمواقف والمنهج والسلوك، لرجل آمن أن الوطن يتعدى الفكرة، محوّلاً ما فيه ومن فيه إلى مثال يحتذى في الفكر والثقافة والوعي والعلم والنظرة إلى الذات والمستقبل، مطلقاً العنان لكل ما هو جميل في العُماني والعُمانية ليكونا كتفا بكتف، وخطوةً بخطوة، وحلماً بحلم، من أجل بناء العهد المختلف في الزمن المتقلب في ظروفه ومناخاته وتحولاته.
رحم الله سلطاننا وأبانا قابوس بن سعيد، وثبتّنا على الولاء والطاعة لسلطاننا هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه-.