مركز ثقافي لكل ولاية
سليمان بن حمود المعمري
لا يختلف اثنان على أن الثقافة عمود من أعمدة تقدم الأمم وازدهارها ، وعلامة فارقة في حضارتها ، ورمز من رموز الوطنية والأصالة، بل إن الثقافة واجهة أساسية لرقي الشعوب وسموها ، لما تحمله من معاني التحضر والتطور.
وإن بلدنا عمان ولله الحمد أيقونة من أيقونات العلم والحضارة ، ووجهة من وجهات العلم والثقافة المهمة ، ومرتعا لكثير من أهل العلم وطلبته ، ومقصدا من مقاصد المعرفة والثقافة على مر العصور، ففي الثقافة علو شأن ، ورقي مكانة ، ورفعة وعزة ، وسمو وهيبة ، وبها تنشأ الأجيال نشأةً كريمةً على القيم والمبادئ والأخلاق، وتواصل مسيرة البناء والعطاء، وبها يستمر معين الحضارة وشريان المعرفة.
إن فكرة إقامة مركز ثقافي في كل ولاية ، أو في كل محافظة على أقل تقدير أصبحت ضرورة ملحة لما سيقوم به من تنمية الجوانب الثقافية لجميع شرائح المجتمع ، وسيوفر الجهد والوقت وسيختصر المسافات في البحث والمعرفة ، فالطالب سيجد ما يزيد به تحصيله الدراسي ، والأكاديمي وسيساعده في توجهه العلمي ، والباحث سيعينه في أبحاثه ، والمهتم سيلبي شغفه ، وصاحب الوقت سيسد فراغه ، وحتى السائح سيختصر عليه المعرفة والاطلاع على تاريخ وحضارة البلد من خلال إقامة معرض ثابت في المركز يحتوي على جوانب من تاريخ وحضارة الولاية أو المحافظة ، وغيرها من الجوانب الأخرى التي سيزخر بها المركز من إقامة الأنشطة والفعاليات الثقافية والفنية التي ستخدم المجتمع عامة.
ومن الملاحظ عكس ما هو مطلوب من كثرة المراكز التجارية عوضاً عن وجود المراكز الثقافية ، وهنا لا أعترض على كثرتها بل هو تنشيط للحركة التجارية ، وزيادة المنافسة وتقليل الاحتكار وغيرها من الأهداف الذي يحققه وجود تلك المراكز التجارية ، إلا إنه يمكن الاستفادة من كثرتها ووجودها من خلال توجيه الدعوة لها لدعم هذا التوجه الثقافي وذلك من منطلق المسؤولية الاجتماعية التي يضطلع به القطاع الخاص، مما يحقق التمازج المطلوب بين القطاع الخاص ودعم الأنشطة والفعاليات المجتمعية ، الأمر الذي سيسهل من عملية إيجاد بيئة ثقافية مستقلة ومنفردة وبالتعاون مع الفرق الأهلية واللجان التطوعية والجهات المعنية ذات الاختصاص.
ومن وجهة نظري المتواضعة في حال تم إقامة المركز الثقافي، حبذا أن يتضمن مكتبة عامة وأخرى للأطفال ، وقاعات متعددة الأغراض ومعارض متنوعة ، وفصول تعليمة لإقامة الدورات الثقافية والفنية ، ومسرح ، وغيرها من الجوانب ذات الصلة ، ويمكن الاستعانة ببيوت الخبرة في هذا المجال لإنشاء مركز ثقافي أكثر شمولية وتكاملاً في مختلف التوجهات.
وختاماً ، أجد إقامة مركز ثقافي أمر لا بد منه ، بل أراه لزاما لما سيحققه من جوانب إيجابية على أعلى مستوى ، وما سينتج عنه من مخرجات ثقافية كبيرة ، ويسهل عملية البحث عن المعرفة في بوتقة واحدة متكاملة ، تتوفر فيها كل إمكانيات البحث والاطلاع ، وهذا التوجه الذي حرصت وما زالت تحرص عليه حكومتنا الرشيدة في عهد جلالة السلطان الراحل طيب الله ثراه ، وفي ظل العهد المتجدد والزاهر لمولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه ، لتكون كل ربوع عمان تنبض بالفكر والعلم، وتجري فيها ينابيع الثقافة والمعرفة.