بين التعيين والتقاعد .
بقلم : عائشة بنت سعيد البلوشية
تربوية متقاعدة بتعليمية شمال الباطنة .
يوليو٢٠٢٠
يقال في الأدبيات: عاشر من تعاشر ولا تنسى لحظة الفراق ،، وها هي لحظاتي الجميلة بينكم قد تخافتت أضواؤها وأوشكت على الانتهاء كما ينتهي كل شيء جميل في هذه الحياة.
أيها الزملاء، إخوة وأخوات، أبناء وبنات : ها هي بوادر الرحيل تسارع الخطى ، لتلون قلبي الصغير بألوان الحزن والأسى ، ففراق الأحبة مرٌ ومؤلم.
فقد كنتم خير الإخوة وخير الرفاق وخير الأصدقاء وخير الصحبة، وقد قضيت معكم وبين جنباتكم أعذب الأوقات وأحلى اللحظات، فهنا كان المشغل وهناك كان الاجتماع، وفي تلك المدرسة كان التقييم ، وفي أروقة التربية صلنا وجلنا سوياً، وقبل هذا وذاك كانت أجمل الذكريات وإني لأشتم رائحة العريش الذي وقفت فيه لأول مرة في عام ١٩٨٥ وأمسكت بالطبشورة البيضاء لأسطر أول حرف من أبجديات اللغة على ذلك اللوح الأسود وقد نلت شرف أن أكون أول معلمة عمانية في ولايتي، حينها كنت في الربيع الثامن عشر من العمر،
وتحت شجرة الغاف المعمرة في فناء المدرسة وقفت أحدث نفسي بقول الشاعر (سوف تزهو بنا الحياة وتفخر)
وحقاً زهت بنا الحياة وفخرت. وفخر بنا والدنا السلطان ( قابوس طيب الله ثراه ) وفاخر بنا الأمم وأوصلنا إلى أعلى المراتب، فغير حال مدارسنا من عريش النخيل إلى مدارس كالقلاع الشامخات. ومن معهد المعلمات المتواضع إلى أرقى الجامعات وأعلى الشهادات.
وهكذا مرت الأيام بدءً من رحلة التعليم والتعلم حيث وهبني الوطن منحةً لدراسة البكالوريوس في دولة قطر قبل افتتاح جامعة للسلطان قابوس وبعدها بسنوات منحت فرصة الماجستير بجامعة السلطان قابوس مروراً بإدارة المدارس وعتبات مديرية شمال الباطنة، ومن ثم توجت هذه الرحلة الجميلة بالتحاقي بالإشراف الاداري وتطوير الأداء المدرسي الذي أمضيت فيه ما يقارب العشرين عاماً، اقتربت فيها بلطف من أحبتي وإخواني في إدارات المدارس موجهة لهم تارة وحانية عليهم تارة أخرى ، ومزهوة بإنجازاتهم ونجاحاتهم تارات وتارات.
وهكذا واصلنا سوياً مسيرة عطاءٍ شهد لها الجميع، وخلال تلك الرحلة الطويلة التي ناهز عمرها الخامسة والثلاثين عاماً، كانت عمان حاضرةً في قلبي بكل تفاصيلها، ودفتر تحضيري ، وعلى سبورتي. وأخيراً في استمارات المتابعة وتقارير الأداء، ويعلم الله يا وطن النجوم أنك لم تفارق خلدي برهة وأنا أتنقل بين كل شبرٍ من أرضك الطيبة ذات الرائحة الزكية، وأني على العهد الموثق بيننا باقية، وأن غادرت أنا مقاعد الوظيفة فلن تغادر أنت قلبي وقلمي، وخيالي وواقعي، فأنت سر الوجود وسر الخلود وسر النجاح، فشكراً من القلب بحجم هذا الكون لوطنٍ سكن الحنايا واختلج الضلوع، شكراً حبيبتي عمان .
ولكم جميعا أيها الأحبة رؤساء ومرؤوسين، شكرا ألقاً وعرفاناً، شكرا عبيراً وريحاناً يا من كنتم نسيم عطائي”، وشذا إنجازي، وعطر مساءاتي ، وإني لأسأل الله العلي القدير أن أكون قد تركت فيكم بصمةً طيبةً وأثراً يقتفى، يعلم الله كم هي معاناتي في وداعكم وما كنت محبةً له، ولكن مشيئة الرحمن وسنته في كونه ولسان حالي يستميحكم عذراً وغفرانا عن كل خطأ أو زلل أو تقصير فما أنا إلا بشر يصيب ويخطئ، وجل من لا يسهو ومن لا تنام عيناه.
وفي الختام أوصيكم بأجيال عمان خيراً، ودمتم شموعاً تضيء عمان في ظل قيادةٍ حكيمة لجلالة السلطان هيثم أيده الله وسدد على طريق الخير خطاه .